درس من بوركينا فاسو للموريتانيين

08 نوفمبر 2014

قادة الجيش بعد لقائهم القوى السياسية البوركينابية (3 نوفمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

يراقب موريتانيون عديدون الأوضاع في بوركينا فاسو بمزيج من الترقب والخوف، فهذا البلد الأفريقي، الذي لا تفصله عن موريتانيا سوى دولة مالي، تحوّل، بين عشية وضحاها، من وسيط يوثق فيه لحل النزاعات إلى بلد يواجه شبح الفشل والتردي في الحرب الأهلية. وسبب ذلك بسيط على عمقه، سهل على صعوبته، فالرئيس بليز كومبواريه لم يشبع من السلطة، على الرغم من مضي 27 عاما على حكمه الشمولي، ومع اقتراب انتهاء ولايته، الأخيرة حسب الدستور، بدأ يخطط للبقاء في السلطة، بتعديل دستوري مثير للجدل.

تصدى الشعب البوركينابي لخطط كومبواريه، وأضرم النار في البرلمان، وأحرقت نار الثورة أوراق الديكتاتور، وثأرت الجماهير لروح الثائر، توماس سنكارا، الذي قتله كومبواريه غيلة إثر انقلابه عليه عام 1987. وها هو لاعب تنس سابق، هو الجنرال هونوري نابيري تراوري، يستولي على الحكم من جديد، ليبدأ جولة لعب جديدة، بعد أن التقم المضرب بيد حديدية خشِنة.

الانتفاضات والانقلابات ليست جديدة على أفريقيا، فما زالت السمراء ترفل في أغلال الحكم العسكري، وما زال جسدها الندي مثخناً بالجراحات.

انقلابات أفريقيا، وإن اختلفت في القالب والشكل، فإن المضمون واحد: الحاكم المستبد يرفض التخلي عن السلطة طواعية، ويرفض الالتزام حتى بدستوره الذي خاطه على مقاسه، ليبقى متمسكا بالكرسي "عاضاً عليه بالنواجذ"، حتى تلتهمه نار الثورة، وتحترق ثيابه، ليهرب بجلده أو تدوسه الأحذية الخشنة لرفقائه بالأمس، فتبدأ جولة جديدة من حكم العسكر ومتاهة سيزيفية لا تنتهي ومأساة أفريقية لا تمل التكرار.

عاشت موريتانيا، البلد المنتبذ القصي المنسي الذي لا يعرف كثيرون في المشرق عنه غير كثرة الانقلابات فيه، على الانقلابات منذ 36 عاماً. في 2005، قام الجيش بانقلاب الرئيس الأسبق، معاوية ولد الطائع، وتعهد العسكر بالعودة إلى ثكناتهم، بعد انتخابات لن يشاركوا فيها، وفعلا عادوا إلى مواقعهم في الخلف، ثم ما لبثوا أن انقلبوا على الرئيس المنتخب، بعد عام من توليه السلطة عام 2008، لتبدأ رحلة التيه التي استمرت نحو أربعين عاماً في البلاد.

في عام 2006، وفي غمرة الوعود العسكرية البراقة، أو قل في لحظة صحو عسكري نادر، تم تعديل الدستور، وتم تحديد فترتين رئاسيتين حداً أقصى لمأمورية رئيس الجمهورية، وتم التنصيص في القسم على تعهد الرئيس بعدم دعم أي مبادرةٍ، تهدف إلى تعديل المواد المتعلقة بمدة مأمورية الرئيس.

وما إن بدأت المأمورية الثانية للرئيس الحالي (جنرال سابق)، محمد ولد عبد العزيز، في أغسطس/ آب الماضي، حتى انطلقت الأبواق المقربة من السلطة، تطرح السيناريوهات والاقتراحات، بهدف تهيئة الرأي العام لتقبل فكرة تعديل الدستور، لإتاحة الفرصة للجنرال الرئيس للبقاء في السلطة.

يتابع ولد عبد العزيز، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي، الأحداث في بوركينا فاسو، بحكم منصبه وموقعه، وهو يبدو أمام خيارات صعبة، ليس في تحديد الموقف مما يجري فىي واغادوغو فحسب، بل في مستقبله السياسي، حين تنتهي مأموريته، بعد أربع سنوات. فالدرس البوركينابي ماثل للعيان، واضح لمن أراد أن يأخذ العبرة، ويتعلم الدرس، فقد كان في وسع بليز كومبواريه أن يتوج تاريخه الثوري بترك السلطة طواعية، ويضع بلاده في وضعية سياسية ودستورية متقدمة أفريقياً، ويستثمر نجاحاته الدبلوماسية في فترة حكمه في الحصول على مستقبل شخصي ومهني مشرف وزاهر، لكنه أهدر ذلك كله تحت سطوة إغراء السلطة، وحين نصحه الرئيس السنغالي، ماكي صال، لم ينتصح، فقد قال له صال في مكالمة هاتفية بينهما، قبل ثلاثة أيام، عندما خرجت المظاهرة المليونية الأولى في واغادوغو: (بليز: أمامكم وقت للتراجع، فلا تضيعوه).

ضاعت الفرصة على كومبواريه، كما ضاعت على كثيرين قبله، ويأمل الموريتانيون أَلا تضيع الفرصة على ولد عبد العزيز، وغيره من الحكام العرب والأفارقة المتشبثين بالسلطة حتى آخر رمق.

825BAA0B-4A74-4D79-8F65-F926301BAD91
825BAA0B-4A74-4D79-8F65-F926301BAD91
محمد فال الشيخ (موريتانيا)
محمد فال الشيخ (موريتانيا)