داعشيات أبو حسين الكيني

12 سبتمبر 2014
+ الخط -


(1)
لا همَّ للعالم كله ولا شغل، سوى تنظيم الدولة الإسلامية، "داعش". الكل يتحدث عنه، وعن التحالف الدولي الذي يتشكل للحرب عليه. إن فتحت التلفزيون أو الإذاعة، وتقلبت بين القنوات الإخبارية وبرامجها الحوارية، لن تجد غير أحاديث وصور مريعة، عن مقاتلين متعددي الجنسيات، وملثمين، يحتلون مدناً في بلاد ما بين النهرين وشرق المتوسط، فيستولون على الموارد الطبيعية، ويُنكّلون بالسكان، ويفرضون الجزية على غير المسلمين، إن اختاروا البقاء في "دولة الخلافة"، ويخطفون الأجانب، ويقطعون رؤوس من يختلفون معهم.
كذلك الحال في الصحف، ومواقع الإعلام الإلكتروني، والأحاديث الاجتماعية. "داعش" تتصدر النقاشات والمقالات، بما فيها هذه المقالة. "داعش" التي لا يملك أحد جواباً شافياً عن سؤال نشوئها، صارت تتدفق من الأبواب والنوافذ والشقوق المحيطة بنا، كأن الواقفين خلف ترويجها يسعون إلى إقناعنا بأن لا خيار أمامنا للنجاة بأنفسنا، من بطشها، سوى الشراكة مع الأميركيين في خندق واحد، ومن دون أن نلتفت إلى أنهم يتشاركونه مع الإسرائيليين ضدنا، وضد قضايانا المصيرية الكبرى.
(2)
نكّل تنظيم "داعش" بالسوريين. احتل مدناً وقرى، وسيطر على مساحات شاسعة. نهب حقول النفط، وأذلّ العشائر، وشرّد السكان، وقطع رؤوساً، وفرض قوانين تنتهك كرامة الناس وحقهم في الحياة، فلم يقلق أحد في المجتمع الدولي، بل ظهر في الغرب من يعتبر ذلك دليلاً على تطرف المعارضة السورية، ومبرراً للامتناع عن دعمها.
فقط، بعد وصول "داعش" إلى حدود إقليم كردستان العراق، وذبحه صحافياً أميركياً، قرّرت الإدارة الأميركية أن تتحرك ضده، على نحو مؤكد في العراق، وعلى نحو محتمل، وربما خاضع للمساومات في سورية. وهناك تجار، يجيدون اللعب على الحبال، عرضوا استعدادهم للتنسيق، في أي عدوان على بلادهم، كما قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، حرفياً.
 
(3)
لو أن حسين أوباما، والد الرئيس الأميركي، لم يهاجر من كينيا إلى أميركا، قبل نحو ستة عقود، ولو لم ينجز المهمة التاريخية، بقضاء وطره، آنذاك، من امرأة بيضاء (بتعبير الزميل فوزي بشرى في تقريره عن فوز الفتى الأسود بالبيت الأبيض)، ولو أن الطفل الذي أثمرته علاقة الزواج القصيرة، لم ينشأ في البيئة الإنسانية التي توفرت له، في كنف أمه وأهلها الأميركيين، ذوي الأصل الإنجليزي، لتغيّرت الاحتمالات، ولكان باراك، المسلم أصلاً، قد ولد في بيئة الفقر والقمع واليأس، وربما انتمى إلى تنظيم إسلامي متطرف، وأطلق على نفسه اسم "أبو حسين الكيني"، ليسير على خطى ألوفٍ آخرين، منهم زعيم حركة "الشباب المجاهدين" في الصومال، أحمد غودان الذي اغتيل، قبل أيام، في غارة أميركية، والقائد العسكري الداعشي، ترخان باتيراشفيلي، الملقب بعمر الشيشاني، و"خليفة الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي الذي يتحالف المجتمع الدولي، اليوم، للقضاء عليه.
 
(4)
تلك قد تبدو فقرة زائدة، كذباب على المائدة (بتعبير محمود درويش)، لكنها ليست كذلك تماماً؛ ففي إستراتيجية أوباما للقضاء على "داعش"، تعلو قعقعة السلاح، ويعلو الجندي الأميركي، لتنحصر وظيفته في إطلاق النار من فوق السحاب، تاركاً خطر الاقتتال الدامي، على الأرض، للعرب أنفسهم. ويغيب منها ذكر للإصلاح السياسي والديمقراطي في المنطقة، ولا تلتفت إلى التحذيرات القائلة إن تحالف الولايات المتحدة مع الديكتاتوريات، في العالم العربي وأفريقيا، نصف قرن، كان تربة خصبة نما فيها التطرف، فصار غولاً يهدد الجميع، وإنّ حظ الرئيس الأميركي في الانتصار لن يكون أفضل من حظ سلفه، جورج بوش الذي قاد حرباً عالمية على "القاعدة"، من دون أن يعالج أسباب نشوئها، ففرّخت "تنظيمات قاعدية"، يصعب حصرها.
 
(5)
تتفق غالبية العرب والمسلمين، شعوباً وأنظمة، على أن إسرائيل أصل الداء في المنطقة، لكن أوباما والبغدادي، على ما بينهما من عداءٍ معلن، يتوافقان، ضمناً، على الامتناع عن ذكرها، ويتجاهلان احتلالها وإرهابها ضد الفلسطينيين، وهما يجيّشان الأديان السماوية والقوانين الدولية والقيم الإنسانية، في حربٍ جديدة، لا تعد شعوب شرق المتوسط إلا بمزيد من القهر.
 

 

EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني