خيارات أوباما ضد كوريا الشمالية أفعال أم أقوال؟

خيارات أوباما ضد كوريا الشمالية أفعال أم أقوال؟

21 ديسمبر 2014
لم تُجدِ العقوبات على كوريا الشمالية (برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
عندما تعهّد الرئيس الأميركي باراك أوباما، يوم الجمعة، في آخر مؤتمر صحافي له في البيت الأبيض هذا العام، بالردّ على كوريا الشمالية، عقب تحميلها المسؤولية عن الاختراق الإلكتروني الذي تعرضت له شركة "سوني بيكتشرز"، فتح باب التكهنات على مصراعيه حول ما يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة من إجراءات، على بلد خاضع أصلاً لعقوباتها منذ أكثر من 50 عاماً بموجب "قانون تحريم التجارة مع الأعداء". مع العلم أنه لم يكن لتلك العقوبات أي أثر يُذكر في تخفيف انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، أو منعها من تطوير أسلحة نووية. ولم تتأخر كوريا الشمالية في الردّ على أوباما، ولفتت إلى أنها "تملك من الإثباتات ما يفيد عدم توّرطها في مسألة سوني"، ودعت على إجراء تحقيق مشترك بين البلدين.

واختلف خبراء العلاقات الدولية في تحليلهم لتهديدات أوباما، من قائل بأن العقوبات الأميركية المفروضة على كوريا الشمالية لم تصل بعد إلى أقصى مداها، وأن هناك فرصة سانحة لسنّ المزيد منها أو تشديد تلك الموجودة، ومن يناقض هذا الرأي، بالقول إن واشنطن قد استنفدت ذخيرتها. وأعربوا عن اعتقادهم بأن "تهديداته ما هي إلا أقوال ولن تتحول بأي حال من الأحوال إلى أفعال".

لكن أستاذ الدراسات الكورية في كلية العلاقات الدولية في جامعة تافتس الأميركية، سونغ يون لي، يرى أن "العقوبات الأميركية المفروضة على كوريا الشمالية، أضعف نسبياً من العقوبات الأميركية المفروضة على كل من إيران وروسيا وبورما وسورية". ولمّح بذلك إلى أنه "لا يزال أمام أوباما مجال واسع لاتخاذ إجراءات إضافية ضد بيونغ يانغ".

وعدّد سونغ يون لي الخيارات المتاحة، وأهمها أن "تبادر إدارة أوباما إلى تصنيف حكومة كوريا الشمالية كمركز دولي رئيسي لعمليات غسل الأموال، وهو إجراء سيؤدي تلقائياً إلى وضع المصارف والمؤسسات المالية التي تتعامل مع كوريا الشمالية في إطار العقوبات، الأمر الذي سيجعلها تتجنب التعامل مع بيونغ يانغ". وفقاً لما نقله موقع "انترناشيونال بزنس تايمز" عن سونغ يون لي.

كما أفاد أن "من بين الخيارات تفعيل قانون أقرّه الكونغرس الأميركي سابقاً، لمعاقبة مسؤولين كوريين شماليين، بسبب انتهاكهم حقوق الإنسان في بلادهم". وإذا كانت إجراءات المصادقة على القانون قد تتطلّب وقتاً طويلاً، فبإمكان أوباما، حسب رأي سونغ يون لي، التسريع بإجراء قد يؤدي إلى النتيجة ذاتها، بزمن أقلّ، وذلك عبر إصدار أمر رئاسي تنفيذي، يقضي بتجميد أموال كبار المسؤولين في كوريا الشمالية، مع ما يتبع التجميد من منع سفر وتعرض للملاحقة في الدول الحليفة للولايات المتحدة.

أما الباحث البارز في دائرة شمال شرق آسيا في مركز أبحاث "هيرتاج فاونديشين" البروفيسور بروس كلينغنر، فيرى أن "العقوبات على كوريا الشمالية فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان قد طال انتظارها كثيراً". وأشار إلى أنه "قد تم فرض عقوبات في هذا الشأن على زيمبابوي والكونغو وبورما، ولم تفرض أي عقوبة على مسؤولي كوريا الشمالية، على الرغم من مرور 10 أشهر على تقرير صادر من منظمة الأمم المتحدة يؤكد ارتكاب بيونغ يانغ انتهاكات واسعة وممنهجة، تصل لدرجة الجرائم ضد الإنسانية".

ويُستنتج من هذه الإشارات بأن كلينغنر يتحدث عن غياب الجدية لدى إدارة أوباما، في تصعيد حدة المواجهة مع كوريا الشمالية. ومن الخيارات الأخرى المتاحة لإدارة أوباما حسب تقدير كلينغنر، إعادة إدراج كوريا الشمالية في قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي أخرجها الرئيس السابق جورج بوش منها في 2008، بعد أن أُدرجت فيها عام 1988. وكان بوش يأمل في حينه أن يؤدي ذلك، لتخفيف التوتر معها، خلال المفاوضات، وهو ما لم يحدث.

بل جاء الرد الكوري الشمالي على مبادرة التهدئة الأميركية في العام التالي (2009)، بإجراء تجربة نووية، أثارت استياء شديداً لدى الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين. ويرى أن "ما قامت به كوريا الشمالية ضد شركة سوني، هو شكل من أشكال الإرهاب وفقا للقوانين الأميركية". لكن كلينغنر يستبعد لجوء إدارة أوباما لأي إجراء مؤثر فعلياً على كوريا الشمالية. وقال إن "العقوبات الأميركية على بعض الدول أو المسؤولين في أي دولة مدرجين في قوائم العقوبات في هذا العالم، ما هي إلا أقوال وليست أفعالا، يرجى منها تغيير واقع الحال".

ويتفق مع كلينغنر خبراء آخرون في الشؤون الدولية، من بينهم الباحثة في الشأن الكوري بجامعة كولومبيا الأميركية، سوزان تيري، التي تعتقد أن الولايات المتحدة قد استنفدت كل العصي التي يمكن أن تستخدمها مع كوريا الشمالية، ولم يعد هناك أي عصا جديدة، يُمكن رفعها في وجه بيونغ يانغ، عدا "التلويحات الغامضة الخالية من المضمون".

وطرحت تيري تساؤلاً مهماً، "ماذا عسانا أن نصنع مع كوريا الشمالية أكثر مما صنعناه خارج إطار العمل العسكري الذي لن نلجأ إليه أصلاً؟". وأضافت "لست مستغربة مما قامت به كوريا الشمالية من فعل، ولكن ما يدعو للاستغراب والدهشة حقاً هو استجابة سوني للتهديدات الكورية الشمالية".

وأوضحت في تصريحاتها لموقع "إنترناشيونال بزنس تايمز"، أنه "ليس لدى كوريا الشمالية القدرة ولا الجرأة على تفجير مسرح أو مسارح داخل الأراضي الأميركية، لأنها تنتحر بمثل هذا العمل، وليس لدى الكوريين ميول للانتحار، ولم يكن علينا أن نشعر بالخوف ونستجيب لتهديداتهم".

وكان أوباما نفسه قد أعلن رأياً مماثلاً لهذا الرأي في انتقاده لشركة "سوني" عندما قال إن "هجوم الإنترنت ألحق بشركة سوني أضراراً فادحة، ولكن الشركة أخطأت بإلغاء الفيلم الكوميدي ذي إنترفيو، الذي يتناول عملية اغتيال خيالية للزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون".

وفي ردّ فعل يُذكر بردود النظام السوري على الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء السورية، قال أوباما "سنردّ بطريقة مناسبة في الزمان والمكان نختارهما نحن، وبالأسلوب الذي نختاره نحن". وتمنّى لو أن "سوني تحدثت إليه قبل سحب الفيلم، مشيراً إلى أن "ذلك يمكن أن يصنع سابقة خطيرة في الاستجابة للتهديدات الإرهابية". وأضاف "لا يمكن القبول برقابة، يفرضها علينا داخل الولايات المتحدة، دكتاتور يعيش في بلد آخر، ويريد أن يتحكم في حريتنا من خارج أراضينا".

ولم يعلن الرئيس الأميركي هذا الموقف، إلا بعد تمهيد مسبق بالإيعاز لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) بتوجيه أول اتهام رسمي في تاريخ الولايات المتحدة لدولة أجنبية محددة بالاسم، أنها متورطة في شنّ هجوم عبر الإنترنت، على خوادم داخل الأراضي الأميركية.

فقبل مؤتمر أوباما الصحافي بحوالي ساعتين فقط، اتهم الـ"أف.بي.آي" كوريا الشمالية بـ "وقوفها وراء اختراق سوني". ووصف المكتب الاختراق بأنه "عمل من أعمال الإرهاب تحت رعاية دولة، ولا يمكن قبوله". وأضاف أن "الطبيعة المدمرة للهجوم، وتهديدات المتسللين التي دفعت هوليوود الى سحب الفيلم، ميّزته عن الاختراقات الإلكترونية السابقة".