اختراق "سوني": "حراس السلام" أو كوريا الشمالية؟

اختراق "سوني": "حراس السلام" أو كوريا الشمالية؟

20 ديسمبر 2014
لن يُعرض فيلم "ذو انترفيو" (مايكل ثارستون/فرانس برس)
+ الخط -
لا شيء آمن في العالم الالكتروني. خصوصاً الشركات العملاقة. هكذا أظهرت عملية الاختراق الشامل لشركة "سوني" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ربما لو كان الرجل القوي، باني أمجاد الشركة في الثمانينيات، نوريو أوهغا، ما زال على قيد الحياة، لكان أُصيب بالجنون.

بدأ كل شيء في 24 نوفمبر، حين اخترقت مجموعات "مجهولة" حتى الآن، ولو حملت اسم "حراس السلام"، حواسيب شركة "سوني". كان "سهلاً" توجيه الاتهامات الأولية إلى كوريا الشمالية، على اعتبار أن "سوني بيكتشرز"، أنتجت فيلماً ساخراً بعنوان "ذو انترفيو" (المقابلة)، يتناول عملية اغتيال افتراضية للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، على يد الاستخبارات الأميركية "السي آي إيه". وما عزّز فرضية اتهام الكوريين الشماليين، هو تهديد أون العلني لـ"سوني"، متوعّداً بفرض "عقوبات شديدة عليها". ألغت "سوني" عرض الفيلم، بعد اتساع مستوى الاختراق، الذي طال أرقام الضمان الاجتماعي والبريد الالكتروني لـ47 ألف موظف.

وكان الاختراق سهلاً للغاية بالنسبة لـ"الهاكرز"، لأن الشركة أخطأت في حفظها الآلاف من كلمات السرّ في مجلّد واحد تحت اسم "باسوورد"، ما أدّى إلى اختراق 139 مستنداً، وجداول بيانات وملفات، تحتوي على كلمات السرّ الخاصة بأجهزة الكمبيوتر التابعة لشركة "سوني بيكتشرز". كما اختُرقت حسابات المواقع الاجتماعية "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" و"ماي سبايس" العائدة للموظفين.

ومع أن ردّ فعل "سوني" لم يكن سوى من قبيل "محاولة الحدّ من الخسائر"، خصوصاً أن التعليق الأولي على لسان الرئيس التنفيذي لشركة "سوني بيكتشرز"، مايكل لينتون، لخّص الصدمة. إذ اعتبر لينتون أن "الاختراق يُعدّ هجوماً جريئاً على شركة سوني وموظفيها وشركائها التجاريين". قبل أن تنصرف الشركة إلى حصر الأضرار، فضلاً عن تحضيرها ملف الردّ، فور معرفة المتهم أو المتهمين.

يبدو سهلاً و"واقعياً" إلى حدّ ما، توجيه أصابع الاتهام لكوريا الشمالية. فقد سبق أن أعلن أحد مسؤولي الاستخبارات الأميركية "أف بي آي" ذلك، واتهم بيونغ يانغ بالقرصنة، لكنه رفض الكشف عن اسمه، كي لا يُلزم الاستخبارات بالموقف. فالـ"أف بي آي" لم تتهم كوريا الشمالية، في البداية، تماماً كما فعلت "سوني"، على الرغم من شراسة الهجوم الذي شنّه كيم جونغ أون. ما حدا بالبعض إلى القول إن "الرجل قد لا يكون وراء العملية، لكن مواقفه شجّعت عليها". مع العلم أن بيونغ يانغ، نفت هذا الاتهام بدورها، وشجبته، واعتبرته "يهدف لتلفيق تهم جديدة تستهدف البلاد"، خصوصاً أنها قد أعلنت في وقت سابق التزامها "المعايير الدولية لحظر كافة أعمال القرصنة الإلكترونية". ولم تكتفِ كوريا الشمالية بذلك، بل وجّهت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، نددت فيها بفيلم "ذو انترفيو"، ووصفته بـ"راعٍ مكشوف للإرهاب، وأنه عمل من أعمال الحرب".

وعلى الرغم من موقفي "سوني" و"أف بي آي"، إلا أن الإدارة الأميركية، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، باتت "مقتنعة بتورّط كوريا الشمالية في الهجوم ضد سوني"، كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض برناديت ميهان، أن "واشنطن لم تؤدِّ أي دور في قرار إلغاء عرض فيلم ذو انترفيو". وذكرت "نيويورك تايمز" أنه "من المرجح أن تعلن واشنطن رسمياً تورّط بيونغ يانغ في الهجوم".

ويأتي اقتناع البيت الأبيض، من المعلومات التي وصلت عن "تجنيد كوريا الشمالية 1800 طالب يدرسون هندسة الكومبيوتر في الجامعة الوطنية العسكرية في بيونغ يانغ". ووُضع الطلاب تحت إشراف المكتب 121، الذي لعب دوراً بارزاً، في محاولة اختراق الهواتف الخليوية للكوريين الجنوبيين في الفترة بين 19 مايو/أيار و16 سبتمبر/أيلول الماضيين". وذكرت المعلومات أن "الطلاب عملوا بدافع من الروح القومية".

بالنسبة إلى الخبير مارك رودجرز، فإنه ينفي تورّط كوريا الشمالية، مشيراً في حديثٍ لموقع "20 مينوت" الفرنسي، إلى أن "من قام بهذا العمل، كان بكل بساطة يريد الايحاء بأنه لا يتقن اللغة الانكليزية". أما الخبير في أنظمة الأمن، برونو شاينر، فقد شرح "حين اخترقت بيونغ يانغ أنظمة مصارف سيول، حدث ذلك بصمت ولم تُثر الضجة حوله، ولم يتم نشر بيانات ولم تُنشر صورة جمجمة وعظمتين، كما حصل في الاختراق الأخير لسوني. كما أن سوني تعرّضت للاختراق مرات عدة في السابق، ولأهداف تقنية بحتة، في 2005 بسبب تحديثات أنظمة ويندوز، وفي 2011 بسبب الجيل الثالث من البلايستايشن".

واعتبر شاينر أن "ما حدث كان اختراقاً مثالياً لحراس السلام، أو مهما يسمّون أنفسهم". لا بل ذهب بعيداً في وصف "ما جرى مع سوني، بما حدث مع سنودن (ادوارد سنودن، العميل الأميركي الذي سرّب معلومات سرية إلى الصحافة، وفرّ إلى روسيا). يتعلّق الأمر بمجموعة تستهدف شركة فقط".

كما وُجّهت الأنظار إلى الصين، على اعتبار أن ذيول حربها المعلوماتية مع الولايات المتحدة لم تنتهِ بعد، واعتبار بعض المراقبين أن "الصين قد تكون استغلّت الظرف، لتوجيه ضربة إلى شركة يابانية، وفي الولايات المتحدة". لكن اتهام الصين، وحتى روسيا، لم يُدرج في حسابات الاستخبارات الأميركية ولا في حسابات "سوني".

وما عزّز فرضية "اتهام مجموعة مدعومة من دولة"، لا بلدان محددة، هو توجيه "الهاكرز" رسالة إلى لينتون والمديرة التنفيذية آيمي باسكال، ومدراء تنفيذيين آخرين، في 21 نوفمبر الماضي، أي قبل الاختراق بثلاثة أيام. وجاء في الرسالة "أنتم تعلمون من نحن جيداً، ادفعوا الثمن أو نطيح بسوني بيكتشرز. عليكم التصرّف بحكمة".

كما أوضح متحدث باسم "الهاكرز"، في مقابلة مع موقع "سي أس أو أونلاين" في 1 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن "الفيلم لم يكن الهدف في عملية القرصنة، وإن كان الدافع الأساسي إلى الهجوم. فالفيلم يُشكّل خطراً على الجميع، وسوني بيكتشرز أنتجت فيلماً يهدّد السلام العالمي، وتنتهك فيه الحقوق الانسانية من أجل كسب الأموال. نحن نخوض حرباً ضدّ جشع سوني بيكتشرز". وكشف أن مجموعته "تضمّ شخصيات سياسية واجتماعية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى، ولا تخضع لسلطة أي دولة".

وكانت قد ظهرت، بعد الاختراق، برمجية خبيثة تستخدم شهادة أمان مسروقة خاصة بـ"سوني". وأفادت شركة أمن المعلومات "كاسبرسكي لابز"، أن "البرمجية الخبيثة التي تحمل اسم دست أوفر، التي ظهرت في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، تستخدم شهادة أمان خاصة بالشركة لمهاجمة بعض أجهزة ويندوز".

يُذكر أن حالة الاختراق، لشركة بلغت عائداتها أكثر من 8 مليارات دولار العام الماضي، ليست الأولى من نوعها لشركة عملاقة، ففي خريف العام 2010، تعرّضت شركة "سيمنز" الألمانية لهجوم من فيروس "ستاكسنت" الخبيث الذي استهدف أنظمة الصناعة والتشغيل، واخترق وأصاب أنظمة الحواسيب المستخدمة في 15 مصنعاً وشركة ومحطة لتوليد الطاقة، منها خمس شركات تعمل في ألمانيا، والباقي في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة وإيران. وتسلّل الفيروس في حينه، إلى 30 ألف جهاز كومبيوتر في طهران، من دون "أن يتسبب بأضرار كبرى"، حسب ما ذكر الايرانيون.

وفي النهاية، يبدو مصير فيلم "ذو انترفيو" غامضاً، فـ"سوني" شددت أن "لا خطط لدى الشركة لعرض الفيلم"، كما أن موقعها الرسمي، أزال الاعلان عن موعد الفيلم، بالاضافة إلى اتخاذ الشركة احتياطات اضافية، عبر ارشاد الزوار، للدخول إلى الموقع. وهو ما حدا برئيس مجلس النواب الأميركي السابق، الجمهوري نيون غينيريتش، إلى نشر تغريدة عبر صفحته على "تويتر"، جاء فيها "مع انهيار سوني خسرت أميركا أول حرب إلكترونية. هذه سابقة خطيرة جداً".