خليل العناتي.. طفل تضامن مع غزة وشاركها الشهادة

خليل العناتي.. طفل تضامن مع غزة وشاركها الشهادة

11 اغسطس 2014
قال: "هيّاني راجع".. ولم يعد (مأمون وزوز)
+ الخط -

استيقظ خليل على عجل ذلك الصباح. أسرع إلى سطح المنزل، حيث كانت والدته تملأ خزّان المياه في المنزل. حيّاها على عجل ونزل مسرعاً على الدرج. نادته "تعال يمّا وين رايح!؟". أجابها، "هيّاني راجع" (لن أطيل الغياب). لكن خليل لم يعد إلى منزله إلا جثة محمولة على أذرع أعمامه وإخوته.

خليل العناتي ذو العشرة أعوام قتله رصاص جندي إسرائيلي، بعد اندلاع مواجهات بين متظاهرين فلسطينيين وقوات الاحتلال، على مدخل مخيم الفوار للاجئين الفلسطينيين في الخليل، جنوب الضفة الغربية، حيث يعيش خليل وعائلته. وهناك تنشط المواجهات مع قوات الاحتلال كغيرها من مدن الضفة الغربية وبلداتها، تضامناً مع قطاع غزة، وتنديداً بالعدوان المستمر منذ أكثر من شهر على القطاع، وتنشط كذلك حملات التضامن المادية والعينية التي ساهم خليل فيها بنفسه، ومن مصروف جيبه.

هكذا اغتيل خليل

لم يعرف خليل أنّه أصيب بطلق ناري لحظة حصول الواقعة، بحسب جدته التي تقول عن الحادثة، "نزل من المنزل ووقف بجوارنا على الباب، حيث كنت أتحدث أنا وأعمامه. اقترب جيب الجيش الإسرائيلي ونزل منه جندي فتح النار من بندقيته باتجاهنا". خليل كان الأقرب إلى الشارع من باقي أعمامه، وربما كان هو الأقرب إلى الموت منهم، فحينما انطلقت رصاصة الجندي الإسرائيلي سرعان ما استقرت في أسفل بطن الطفل".

تتابع الجدة، "أخذ خليل يركض ويركض بعيداً عنا باتجاه وسط المخيم، فتبعته بخوف، وأنا أرى الدماء تسيل منه بينما كانت عيناه تدوران ويداه على بطنه. لم أكن أضع غطاءً على شعري، وتعبت وأنا أناديه دون جدوى". وفي النهاية، تقول الجدة، حمله أعمامه بعد أن خارت قواه وسقط على الأرض، فنقلوه إلى مستشفى الأهلي وسط الخليل، لكنه لم يصل إلى المستشفى حياً".

وقالت مصادر طبية من مستشفى الأهلي في الخليل، إنّ الطفل توفي متأثراً بإصابته برصاصة اخترقت منطقة الظهر وخرجت من البطن، مشيرة إلى أن خطورة إصابته أدت إلى وفاته، ولم تجدِ محاولات الأطباء إنقاذه. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي اعترف بإطلاق النار مما أسفر عن مقتل قاصر. وعبّر الجيش، بحسب الصحيفة ذاتها، عن "أسفه لموته".

"هياني راجع"

وأكد أقارب خليل أنه لم يكن يشارك في أعمال الشغب، بل وقف على مسافة بعيدة من الشبان الذين كانوا يلقون الحجارة على الجيش الإسرائيلي. تقول الوالدة خولة العناتي (40 عاماً)، "استيقظت في الصباح الباكر لملء خزان المياه على سطح المنزل، وفوجئت بخليل يطل بوجهه من باب السطح، ويخبرني أنه سيخرج من المنزل لدقائق ويعود، لكنني قلت له إن الجيش في المخيم ومن الأفضل ألا ينزل، لم يسمعني وقال هياني راجع، لكنه لم يرجع أبداً".

وتابعت الأم المفجوعة بصوت مخنوق، "تركت المياه وصرخت لزوجي يا محمد الولد انطخّ (أصيب) يا محمد... وقبل أن أسمع أي صراخ أو ضرب، رأيت ابني يجري في شارع المخيم ودمه يسيل على الأرض. قبل وصوله إلى باب الدار قتلوه. لم أنل الفرصة للصراخ من أجله. يمّا نزلت تجري مستعجل.. مستعجل ع الموت يمّا؟".

ولم تكن والدة خليل الوحيدة التي فجعت به، فأخته ميساء التي تكبره بعشرة أعوام فجعت به كذلك. وميساء غالباً ما كانت تجالس أخيها وتحدثه، أو تساعده على حلّ واجباته المدرسية. أما اليوم فقد فقدته إلى الأبد.  

 تضامناً مع غزة

"لا يترك خليل المنزل ولا يبتعد كباقي الأطفال، فهو شديد التعلق بإخوته وأبناء عمومته"، بحسب والدته التي تؤكد على اهتمامها الكبير به وبأخيه الأصغر يزن (3 أعوام). تضيف، "لا أدري ما الذي سأقوله ليزن حين يسأل عن خليل ليبتاع له شيئاً، أو يلعب معه، لا أطيق ابتعاده خمس دقائق، فكيف سأحتمل بقاءه بعيداً إلى الأبد؟".

من جهته، أشار أحد أعمام خليل إلى أنّ الفتى أظهر روحه التضامنية، مع قطاع غزة، ومسؤوليته، على طريقته. فحينما كانت لجنة المخيم تجمع الأموال للتبرّع بها لأهالي القطاع تبرع خليل بمبلغ 100 شيكل (30 دولاراً) لأطفال غزة، وهي نقود قليلة كان قد ادخرها منذ بداية العطلة الصيفية.

خليل ليس الطفل الأول الذي يقتله الاحتلال في الخليل، وباقي مدن الضفة الغربية، التي تشهد مواجهات مستمرة مع جيش الاحتلال منذ الثامن من يوليو/تموز الماضي، احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على غزة. تشير الإحصائيات الفلسطينية إلى مقتل 16 متظاهراً، وإصابة المئات من الفلسطينيين في تلك المواجهات التي لن تتوقف إلاّ بتوقف العدوان.