حلف الشر

حلف الشر

05 يناير 2016
+ الخط -
منذ إسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية التي اخترقت أجواءها، وروسيا في حالة هياج وتخبط، تبحث عن وسيلة ترد بها الصفعة لتركيا، لكنها لا تجد أمامها سوى المدن والبلدات السورية تنتقم منها، لينعكس أثر التخبط الروسي مزيداً من القتل والتدمير الذي مارسته الآلة الحربية الروسية بحق الشعب السوري.
أياً كان السبب، أو مجموعة الأسباب خلف معاناة شعوبنا، فالحقيقة الثابتة أن هناك تكالباً واضحاً لا تخطئه العين لوأد الصحوة الإسلامية التي ولدتها ثورات الربيع العربي، التي إن قدر لها أن تستمر ستهدد كل مشاريع التقسيم والهيمنة على المنطقة، ومن هنا، يحق لنا أن نسأل: ما الذي دفع الغرب والشرق معا لغض الطرف عن جرائم نظام الأسد بحق شعب كامل، ثم السماح لإيران بالتدخل السافر جهارا نهارا؟ ثم وبعد الفشل يتم التنسيق مع روسيا والسماح لها بالتدخل حماية لهذا النظام المجرم؟
في ظل هذا الواقع المتأزم، بدأت تطفو على السطح ملامح حلف محلي إقليمي دولي جديد، ليضاف إلى سلسلة التحالفات الدولية والإقليمية القائمة، تحالف فرضته الظروف والتقاء مصالح أطرافه، فروسيا المحكومة بعقلية القيصر المتغطرس بوتين، ستحاول إثارة المشكلات الإثنية والطائفية لتركيا، في حين أن إيران الولي الفقيه عملت على تصدير ثورتها الدينية للدول العربية، ونجحت في مصادرة قرار شيعة المنطقة، من عرب وعجم، فجعلت منهم جنودا لأسطورة الإمام المنتظر، وسخرتهم للقتال نيابة عنها، وهي تفعل المستحيل لتحافظ على تابعيها، بهدف حماية مكتسبات ومصالح لها تعلم، علم اليقين، أنها ستخسرها لو تمت إطاحة أذنابها في المنطقة، أما حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) فإنه محكوم بعقيدة شيوعية، ويقاتل من أجل فرض دولة كردية على أجزاء من تركيا والعراق وسورية وحتى إيران.
من هنا، كان التركيز على وحدات الحماية الكردية في سورية، ودعمها لتكون رأس حربة للحزب المستفيد من حالة الفوضى التي تعصف بسورية والعراق والمنطقة، إذ نجحت في فرض نفسها شمال سورية وبدعم من إيران ونظام الأسد، ولاحقا الدعم الكبير الذي وفره التحالف الدولي لها بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
جولات مكوكية ولقاءات متعددة أجراها قادة ومسؤولون عسكريون وسياسيون كرد أتراك وعراقيون وسوريون ومنذ العام 2014 مع مسؤولين عراقيين، ولاحقا إيرانيون وسوريون، لتتوج بسلسلة زيارات إلى روسيا، حيث تركزت جميعها على استجلاب الدعم المالي والعسكري لأذرع الحزب الذي صعد من نشاطه العسكري في المنطقة مستغلا حاجة أطراف دولية عديدة له أداة حرب تغنيهم عن التدخل البري المباشر في المنطقة.
حاربت إيران في سورية والعراق بميليشيات شيعية غير إيرانية، والولايات المتحدة تحارب بوحدات الحماية الكردية، واليوم يبدو أن الروس مهتمون بمسألة الاستفادة من القوة البشرية لحزب العمال الكردستاني، في تركيا والعراق وسورية، خصوصاً بعد حادثة إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، ما يعني إعادة إحياء التحالف الشيوعي القديم مع حزب العمال الكردستاني، حيث كان الاتحاد السوفييتي يستخدم هذا الحزب ورقة ضغط على حلف شمال الأطلسي في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته.
بعد حادثة إسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية، ازدادت المؤشرات على تمويل الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق حزب العمال الكردستاني، بتحريض روسي وإيعاز إيراني، من أجل تشجيعه على مواصلة حربه ضد الدولة التركية، وصولا إلى زعزعة أمنها الداخلي والضغط عليها في الملف السوري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التأثير على مواقف مسعود البارزاني المتقاطعة مع مصالح تركيا والائتلاف الحاكم في بغداد.
في تصريحات ذات مغزى عميق، أبدى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استعداد بلاده دعم الجماعات الكردية المسلحة في سورية، بحجة محاربة الإرهاب، على هامش لقائه الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي التركي صلاح الدين دميرطاش في موسكو، حيث أثنى لافروف على حزب الشعوب الديمقراطي (ممثل الأكراد في البرلمان التركي) واصفا إياه بالقول: إنه يمثل كل الأقليات الإثنية في تركيا.
تركيا اليوم وبما تمثله من ثقل إسلامي كبير في المنطقة تعيش مرحلة حرجة، تحتاج فيها إلى الحزم ودعم جميع أصدقائها لها، لأنها باتت مهددة في وجودها ووحدة أراضيها، فدخول روسيا على خط العداء لتركيا واستفزازها لها بشتى الطرق والوسائل التي ربما تكون توجت بتشكيل روسيا لحلف شيطاني قوامه "الديني والملحد"، وسيعمل على إحداث أزمات عديدة، وعدم الاستقرار لتركيا، وهو ما سيسرع من وتيرة الأحداث التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، حيث من الواضح أنه سيتم جر تركيا إلى حروب جانبية مع أذرع حزب العمال العلماني الكردستاني الماركسي، المصنف إرهابيا، والمدعوم إيرانيا، وروسيا وحتى أميركيا.
الحروب الجانبية التي يجرون تركيا إليها هي حروب استنزاف، ربما تتوج بحرب مفتوحة مع روسيا، ولكن، بعد أن تحصل روسيا على الضوء الأخضر من حلف الناتو الذي، وبكل تأكيد، سيترك تركيا المسلمة تواجه مصيراً أشبه ما يكون بمصير باقي دول المنطقة التي غاص بعضها في مستنقعات الدم، وسيلحق بها آخرون، فهل كانت المنطقة لتصل إلى ما وصلت إليه لو أنهم سمحوا للشعب السوري أن يسقط منظومة الحكم الأسدي المجرمة؟
62DB24F5-C4D7-48B2-80AC-DE1B48B4B829
62DB24F5-C4D7-48B2-80AC-DE1B48B4B829
خليل المقداد (سورية)
خليل المقداد (سورية)