حكاية الأركان

14 يوليو 2014

سليم إدريس وعبد الإله البشير

+ الخط -

عزل المجلس العسكريّ الأعلى في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اللواءَ سليم إدريس من منصبه رئيساً للأركان، وصدر القرار عن وزير الدفاع، العضو في حكومة الدكتور أحمد طعمة المؤقتة. ومع أن القرار لم يكن مفاجئاً، بعد ما وقع للأركان على يد الجبهة الإسلامية، وتنظيمات أخرى غير منتسبة إليها، تزايدت قوتها إلى حدٍّ مكّنها من العمل بمفردها، من دون العودة إليها أو التنسيق معها، فإنه كان له، كقرار، وقع الصاعقة على السوريين، بسبب الأسلوب الانقلابي الذي اعتمد في اتخاذه والطريقة المهينة التي اختارها رئيس الائتلاف في تنفيذه، وأراد لها أن تكون مُذلّة.

أثار هذا الأسلوب موجة استنكارٍ واسعةً، أخافها الشبه بينه وبين أساليب الأسد في تنصيب وإقالة المسؤولين، عسكريين ومدنيين. فاللواء إدريس لم يحضر الاجتماع، ولم يُعطَ الفرصة لعرض وجهة نظره، وما قيل عن مسوّغات عزله كان مسؤولية مشتركة بينه وبين جهات متعددة، بينها رئيس الائتلاف نفسه، والعزل ذاته كان إجراءً شخصياً انتقاميَ الطابع لم تعلن أسبابه، على الرغم من أن تصرفاً منصفاً كان يمكن أن يجعل القرار مقدمة لبناء هيئة أركان حقيقية، غدت الحاجة إليها كبيرة، بسبب تراجع قوة الجيش الحر ومكانته، وتدهور أوضاعه، بدل الاكتفاء استبدالَ رجلٍ برجل.

هذه الفعلة التي تمت لأسبابٍ شخصيةٍ، غطتها تبريرات كلامية وطنية في الظاهر، قدمت إلى الرأي العام باعتبارها توحيدا للأركان، كما كرر الرئيس السابق للائتلاف، أحمد الجربا، في واشنطن، عندما قدم نفسه للكونجرس ودوائر صنع القرار.

قال الجربا: وحّدنا الأركان، وحررنا 85 % من الأرض التي احتلتها داعش، وغدت أمورنا جيدة، إلى درجةٍ يجب أن تجعلكم واثقين من قدرتنا على الحيلولة دون وقوع أي سلاح نحصل عليه منكم في أيد غير أيدي مقاتلينا. بقول آخر: حسّنا أوضاعنا، وحققنا تقدماً كبيراً في توحيد قيادتنا العسكرية وتنظيمها.

هل كان ما قاله صحيحاً؟ لنستمع إلى شهادة رئيس الأركان الجديد، العميد عبد الإله البشير، ونائبه العقيد هيثم عفيسي، أمام الهيئة العامة للائتلاف، قبل أيام، قالا فيها كلاماً لا يحتمل أية التباسات، أو إساءة فهم: ليس هناك أركان، أو هيئة أركان، وليس لنا كضباط أي دور في الصراع العسكري في بلادنا، والذي لا يشارك في قيادته أي ضابط سوري على الإطلاق، ونحن لا نتلقى ولا نوزع أية أموال أو أسلحة أو ذخائر، ولا يسألنا أحد عن رأينا في أي شيء، ولسنا، بكلام العقيد عفيسي، غير " شهود زور على ما يجري، علماً أنه ليس لدينا حتى مكاتب خاصة بنا".

لماذا قام الجربا بانقلابه على اللواء إدريس، إذا كان لا يريد توحيد الأركان، بل إلغاءها، بشهادة الضابطين الأرفع رتبة فيها. كان للجيش الحر رئيس أركان، فصار اليوم بلا رئيس ولا أركان، فهل حدث هذا مصادفة، أم كان مبيتاً ومقصوداً؟ وهل حدث لكي ينفرد بالأمر من وصف نفسه في أميركا "القائد"، استكمالاً لتقويض الائتلاف ثم الحكومة، وبالتالي، للمؤسسات التي أنجبتها الثورة، ويعتبر شرطاً لازماً للقضاء عليها؟

 لا بد من طرح هذه الأسئلة، إذا كنا لا نريد أن نكون سذجاً إلى حدٍّ نسمح معه لساذج أن يضحك علينا. ولا مفر من مواجهتها بالجدية الضرورية، لكي لا نندم بعد الفوت، فيكون ندمنا أصعب من الموت.  
  

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.