يوم الجمعة الماضي، ألقى بريفو محاضرة في "جامعة لورين" بعنوان "ما تدين به لغتنا إلى العربية: أبعد من الاقتراض المعجمي"، وفيها انطلق مننموذج بسيط، جملة يمكن أن يقولها أي فرنسي في كل يوم: "شربت كأس قهوة وشربت عصير برتقال" والتي تتكوّن في معظمها من مجموعة كلمات ذات أصول عربية (كأس Tasse، قهوة Café، برتقال Orange)، يعقّب مازحاً: "الفرنسيون يتكلّمون العربية من دون أن يعرفوا ذلك".
يعود بريفو بعد ذلك إلى تاريخ اللغة الفرنسية التي تكوّنت بداية من القرن التاسع ميلادي، ويشير إلى أنها على مدى هذا التاريخ عرفت موجات من الاقتراض، لكن غالباً يجري تسليط الضوء على موجة الاقتراض من الإيطالية في القرن السادس عشر، والإنكليزية في القرن العشرين، وهما أكثر لغتين اقترضت منهما الفرنسية على المستوى الإحصائي، فيما تحتل العربية المرتبة الثالثة، ولكن بريفو يشير إلى اختلاف في نوعية الاقتراض، فالعربية غذّت الفرنسية منذ نشأتها، بشكل منتظم من خلال مسالك متعدّدة يحصيها لاحقاً، كما أن الكلمات المقترضة من العربية هي في معظمها اقتراضات ضرورة حيث يُلتجأ إليها حين لا يكون في الفرنسية كلمات تعادلها، مقابل الاقتراض الإثرائي الذي يتيح توفير فروقات في الشحنة المعنوية للكلمات، وحتى على هذا المستوى فالعربية حاضرة أيضاً.
يشير المحاضر هنا إلى خاصية أخرى، وهي أن الكلمات المقترضة من الإنكليزية هي في عدد كبير منها كلمات فرنسية ذهبت للإنكليزية ثم عادت في ظروف مختلفة، في حين يختلف الأمر مع العربية.
أما عن المسالك التي تصل بها كلمات عربية إلى الفرنسية، فهي مجموعة من الاحتكاكات التاريخية، بدأت مع النزاعات الدينية المختلفة في العصر البيزنطي وفي فترة الحروب الصليبية، وأيضاً مع وصول العرب إلى إسبانيا، ويلفت إلى الدور الكبير الذي لعبته قرطبة من حيث إنها كانت مدينة علم يتردّد عليها الأوروبيون، كما يوضّح دور التجارة في انتقال الكثير من الكلمات للتعبير عن بضائع، وهو ما يفسّر أن جزءاً كبيراً من المعجم الغذائي الفرنسي من أصول عربية.
موجة أخرى من الاقتراض كانت بسبب الاستعمار ونهاية الاستعمار، خصوصاً مع عودة الفرنسيين الذين عاشت أسرهم لأجيال في الجزائر، ويعتبر آخر موجة قد تمّت من خلال موسيقى الراب ولغة السينما.
على مستوى آخر، تحدّث بريفو عن الحساسيات التي يحملها بعضهم عند القول بكون الفرنسية تقترض من العربية، معتبراً أن كلا اللغتين لغة حضارة، من المفيد أكثر أن تتعاونا في تحدّيات أخرى، مثل هيمنة الإنكليزية.
ويختم محاضرته بالحديث عن حياة الكلمات، إذ إن كلمات عديدة أتت من العربية اختفت، وأخرى حملت معاني جديدة، وثالثة ترسّخت حتى باتت تبدو فرنسية صميمة، وكل كلمة هي تاريخ لا ينتهي.