جامعات الأردن: طلاب على لائحة المطلوبين

20 نوفمبر 2016
(مطالبون بخفض أسعار الدراسة، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -
"اهتف سمع كل الناس .. حريتنا ما بتنداس
علولي كل الاصوات لسه الطالب لا ما مات
قلناها بكل اللغات
بدنا نسقط هالقرار
إفتح هالشباك وشوف .. من إنذاراتك ما في خوف
سيروا سيروا للأمام .. لا تراجع ولا استسلام"

هكذا أحب طلاب كلية "البوليتكنك" في العاصمة الأردنية عمان، أن يهتفوا أمام مبنى العمادة، تلبيةً لدعوة الجمعية الطلابية، الرافض لقرارات الفصل والعقوبات المختلفة التي صدرت مؤخراً في حقّ زملائهم على خلفية منشورات على فيسبوك، ورفضاً للنهج الذي تتبعه الإدارة في تقييد حرّيات الطلبة في التعبير عن رأيهم.

يحدث هذا، في وقت يحاول فيه الأردن جاهدا، الترويج لنفسه على أنه حافظ الحرية والديمقراطية، والراعي الرسمي بامتياز للشباب، والمحفّز لاستنهاض قدراتهم وطاقاتهم، كيف لا، "وهم مستقبل البلد وثروتها الحقيقية"، وفق تعليق أحد المسؤولين الحكوميين أمام مجموعة من الطلبة في جامعة اليرموك (شمال الأردن).

إلا أن ذلك، هو مجرد غطاء للتدخل الناعم وغير المكلف في التحوّلات السياسية في البلد، وتوجيهها بما يتناسب مع مصالح القوى المهيمنة، التي لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الوطنية بمنظور إدارة الجامعات، بحسب إحدى الناشطات في العمل الطلابي.

فالملاحقات والاعتقالات، توضح الناشطة في حديثها لـ"جيل"، والتحقيق باسم الأجهزة الأمنية داخل الجامعات، والتضييق الممنهج على الحريات الطلابية، ومحاولات كبت أصوات الطلبة وإقصائهم وتهميش دورهم، وإبعادهم عن المشاركة في الهم العام.. هي خلاصة ما تشهده الساحات الجامعية الأردنية المختلفة، والترجمة الحقيقية للمقولة المحببة للقائمين على الشأن الجامعي "الشباب ثروة البلد".


انتهاك الحرم الجامعي

وتروي الناشطة في حديثها لـ"جيل"، كيف تم استدعاؤها من قبل من وصفتهم برجال الأمن، واقتيادها من محاضرتها، إلى غرفة داخل الحرم الجامعي، ومن ثم التحقيق معها من قبل شخص مجهولي الهوية، على خلفية أنشطة طلابية.

وهنا، يتساءل الناشط الطلابي أحمد "اسم مستعار"، عن السبب الحقيقي لوجود المكاتب الأمنية، وماهية الدور الذي تقوم به داخل الجامعات؟ وبأيّ حقّ تتدخل بشكل مباشر في العمل الطلابي، وماذا أبقت للهيئات الجامعية، من عمادات شؤون الطلبة، ورجال الأمن الجامعي؟!

ولم يكن مستغربًا، يبين الناشط في حديث إلى "جيل"، غياب عمل هذه المكاتب أثناء العنف الطلابي، وعمليات الشغب التي تفتك بالأملاك العامة في مختلف الجامعات، بل إن دورها، كما يعتقد أغلب الطلبة، يتمثّل في التحقيق والاعتقال وتوجيه العقوبات لكل من يواجه الظلم والفساد المستشري في الجامعات، على حدّ وصفه.

التراجع الكبير والمخيف للنشاطات الطلابية بكافة ألوانها في الجامعات مؤخرًا، مردّه التضييق الأمني، والملاحقة "المخابراتية" من قبل "أذناب" المكاتب الأمنية في الجامعات، فعلى سبيل المثال، إذا عثر على ملصق بحوزة طالب أو منشور، من الممكن أن يُفصل فصلًا نهائييا، بينما لو وجدوا معه مخدرات ستكون العقوبة أخف، مثل أن يفصل فصلًا واحدًا من الجامعة، بحسب ما أكده لـ"جيل"، أحد الناشطين الطلابيين، والذي امتنع عن ذكر اسمه أيضًا.


إسرائيل تسبب المتاعب

"لا يوجد مجال للحديث، فالوضع (ديكتاتوري) بالنسبة للنشاط الطلابي، ذلك أن أيّ عمل أو نشاط، يواجه بقمع وحشي بالجامعات الأردنية، وباختصار، فإن الصمت أبلغ ما يقال"، وفق تعبير أحد الطلبة، الذي اتهم من قبل إدارة عمادة إحدى الجامعات، على خلفية الدعوة للاعتصام داخل الحرم الجامعي، من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رفضًا لاتفاقية الغاز، والتي أبرمتها الحكومة الأردنية مؤخرًا مع الجانب الإسرائيلي الصهيوني.

ويسرد الطالب (ف،ق)، في حديثه لـ"جيل"، والذي فضّل عدم نشر اسمه، كيف أجبره عميد تلك الجامعة، بفتح حسابه الخاص على فيسبوك أمامه، وأمره بإلغاء الدعوة للاعتصام داخل الحرم الجامعي رفضًا للاتفاقية، ومتوعدًا إياه باتخاذ كافة الإجراءات العقابية في حقه، في حال تكرّر مثل هذا التصرف.

كما أفاد مجموعة من طلبة الجامعة الهاشمية (الزرقاء)، أن عمادة شؤون الطلبة تقوم باستدعاء بعض الطلبة الذين شاركوا في وقفات احتجاجية على فصل زميل لهم.

وأكد أحد أولئك الطلبة الذين تم استدعاؤهم إلى "جيل"، ومن ثم التحقيق معهم، أن موظفين من عمادة شؤون الطلبة، طلبوا منهم التوقيع على تعهد بـ"عدم تنظيم وقفات احتجاجية"، بحجة أنها مخالمفة للقانون.

رئيس إحدى الكتل الطلابية، والذي رفض ذكر اسمه أيضًا، يعتبر أن إدارة الجامعات في الأردن، تحارب ممارسة العمل السياسي والحزبي داخل أروقة الجامعات والكليات، بل إنها تعمل على تصفية أيّ نشاط طلابي، يرتبط، ليس فقط بالهمّ الطلابي المحلي، وإنما أيضًا بالشأن الإقليمي، ما يتنافى مع الدعوات "الكاذبة"، التي تدّعي أنها تشجع العمل الديمقراطي، بحسب تعبيره.


السياسة والجامعة
والسؤال الذي يطرح بإلحاح دائما، يقول الطالب: "لماذا يمنع الشاب الجامعي من ممارسة الحياة السياسية داخل الجامعات، ولماذا يُمنع من الانتساب للكتل السياسية والأحزاب، بل لماذا تمنع الأحزاب السياسية من العمل داخل الجامعات؟!".

بدوره، نقل موقع "جيل"، هذا التساؤل لوزير التنمية السياسية والبرلمانية موسى المعايطة، الذي أكد حرص الحكومة الأردنية على أهمية توسيع المشاركة في الحقل العام للطالب الجامعي، مشددا على أن الانتساب للأحزاب حق مكفول بالدستور.

وأشار المعايطة إلى أن العمل الحزبي يطوّر العمل الجماعي المؤسساتي القائم على الأفكار، بعيدا عن الفردية والتعصّب للأصل، وبالتالي، فإن الحكومة حريصة على تشجيع العمل السياسي والحزبي داخل الجامعات، وتعليم طلبة الجامعات مهارات الحوار والمناظرة القائمة على الحجّة والبرهان والمنطق وتقبل الرأي المختلف والإنصات للآخرين.

من ناحيتها، نفت إدارات بعض الجامعات الأردنية، التي استطاع موقع "جيل"، التواصل معها، أن يكون قرار الفصل الذي اتخذ بحق طلبة، بناء على انتماءاتهم الحزبية والسياسية، بل إن قرار الفصل، كان وفق الأنظمة والتعلميات المعمول بها في الجامعة، وعادة ما تتخذ عقوبة الفصل بسبب سلسلة من المخالفات والسلوكيات المتراكمة، التي توصف بـ"المسيئة للجامعة".

إدارة الجامعة تطرد الأساتذة حامبد لمثلا، أوضح عميد شؤون الطلبة في الجامعة الهاشمية، مصطفى الخوالدة، أن قرار الفصل الذي تم مؤخرًا في حق أحد الطلبة، كان نتيجة مجموعة من السلوكيات المتراكمة والمعادية للجامعة، وليس استنادًا لموقف سياسي معين، أو بناء على "الشخصنة"، وفق تعبيره.

الجدير بالذكر، يوضح أحد زملاء الطالب المفصول لـ"جيل"، أن إدارة الجامعة فصلت الطالب على خلفية مساهمته في تنظيم اعتصام طلابي مفتوح، نفذه طلبة الجامعة قبل أسابيع، رفضاً لقرارات مالية، قامت بها إدارة الجامعة.

وعلى الرغم من انتهاء الاعتصام باتفاق إدارة الجامعة مع الطلبة المعتصمين بحضور نواب من البرلمان الأردني، وتأكيد رئاسة الجامعة على أنها لن توقع أية عقوبات على الطلبة المعتصمين، إلا أننا تفاجأنا، يقول الطالب، بصدور هذا القرار القاسي من قبل إدارة الجامعة.

وفيما يتعلّق بامكانية الاعتراض على مثل هذه القرارات، نفى الطالب التقدم بأي اعتراض، موضحًا "أنه بمجرد ذهابك إلى عمادة شؤون الطلبة للاعتراض، واعترافك يصدر قرار في شأنك".

محام خاص
بدورها، كشفت منظمة "العون" القانونية"، وهي منظمة تعنى بالترافع قانونيًا عن طلبة لا يقوون على تحمل تكاليف توكيل محام على نفقتهم الخاصة، كشفت لـ"جيل"، أنها رافعت عن طلبة من جامعة اليرموك تحديدًا، تم فصلهم بناء على نشاط طلابي مرتبط بشأن سياسي داخل البلاد.

عضو حزب الوحدة الشعبية الأردني، والناشط الحقوقي إبراهيم جمزاوي، أكد في حديثه لـ"جيل"، وجود قمع للطلبة داخل الجامعات، وضد تعبيرهم السلمي عن أي نشاط، و كل وجهة نظر تنشر إما بالمجلات وإما بالنشرات، مرجحًا أن الإدارات في الجامعات تطمح إلى طالب، "لا يقوى أن يعبر عن رأيه بثقة، ولا يمتلك أدوات الرفض لكل القرارات التي تسلبه حقوقه".

"دليل الطالب"، وهو كتيب يحوي مجموعة التعليمات والقوانين داخل الجامعة، يمنع ويجرّم كثيرًا من الجامعات والكليات الأردنية، الانتماء الحزبي عبر مواد صريحة كالجامعة الهاشمية مثلا، بحجّة "الإساءة إلى الوحدة الوطنية قولًا وفعلًا، أو المساس بمعتقدات البلد، أو الدعوة إلى التنظيم والعمل الحزبي داخل حرم الجامعة، أو إلى أفكار سياسية أو إقليمية أو الترويج لها".

وتكتفي الجامعات الأخرى، بتجريم "المشاركة في أيّ تنظيم داخل الجامعة، وتوزيع النشرات أو إصدار الجرائد، أو جمع التواقيع من غير إذن مسبق، والحصول على موافقة الجهات المعنية في الجامعة"، فتترك بذلك الخيار لها لقبول التنظيمات والممارسات المتعلقة بالشأن السياسي من عدمه.

إن الخوف من الاعتقالات الأمنية، هو أحد أهم الأسباب للابتعاد عن الأحزاب والعمل السياسي باعتقاد 73.3 % من الشباب الأردني في الجامعات، بحسب دراسة أطلقها مركز الشرق والغرب عام 2015، عن واقع المشاركة السياسية للشباب في الأردن.

وحسب نفس الدراسة، فإن 78.3 % من الشباب الأردني أيضًا، يعتقدون أن الخوف من عدم إتاحة فرص عمل للشباب المشاركين في الشأن السياسي، معيقًا أمام ممارستهم العمل الحزبي داخل الجامعات.

تجدر الإشارة إلى أن المادة (19) من قانون الأحزاب الأردني، تمنع التعرض لأي مواطن بسبب انتمائه الحزبي، حيث "لا يجوز التعرّض لأي مواطن أو مساءلته أو محاسبته أو المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية بسبب انتمائه الحزبي، ويعاقب كل من يخالف ذلك".

المساهمون