جارتي والمصالحة

30 ابريل 2014
+ الخط -

تلقيت اتصالاً هاتفياً من جارتي، الأرملة التي تعيش على المعونات الإغاثية من مؤسساتٍ، تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في غزة، جاءني صوتها مستبشراً، تسألني: يعني، يا أختي، بعد المصالحة سوف تنخفض أسعار "رقاب الدجاج" التي أشتري منها كيلوجراما كل أسبوع؟
هذا غاية أمل جارتي التي تشتري، كل يوم جمعة، رقاب دجاج، ثمن الكيلو جرام خمسة شواقل إسرائيلية (دولار وربع أميركي)، وليست هذه الرقاب طازجة، بل سبق تجميدها وإذابة الثلج عنها مرات، بسبب سوء التخرين، ووصولها منذ مدة طويلة عبر معبر إيرز من إسرائيل، والأهم، وحسب تحذيرات صحية، فإن رقاب الدجاج المجمدة وأجنحتها أكثر أجزاء الدجاج ضرراً بصحة الإنسان.
فكّرت كثيراً بأمر جارتي، وحالها وأحلامها، بعد توقيع اتفاق المصالحة، وبأحلام البسطاء في غزة، وما شهدته هذه البقعة الجغرافية من مآسٍ وويلات، على مر الزمان، كان آخر فصولها ما حدث في غزة في العام 2007، حيث أرست "حماس" قواعدها في غزة، محملةً بأحلام كثيرة، سرعان ما تبخّرت على أرض الواقع، عندما حوصرت غزة من إسرائيل، ومن دولٍ عربية وأجنبية.
ذكّرتني المصالحة التي تمت أخيراً بالآية القرآنية الكريمة: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواناً، حتى إذا أدركه الغرق، قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين". لذلك، توجهت إلى الله طويلاً بالدعاء ألا تكون هذه المصالحة، بعد أن أدركت فتح وحماس أنهما تغرقان معاً، وأنهما في الرمق الأخير، فكلتا الحركتين، وللأسف، تعانيان من أزماتٍ صعبة وخطيرة، فحماس فقدت حلمها في غزة، وفتح تعاني من مشكلاتٍ داخلية، وضغوط خارجية، جعلت الرئيس محمود عباس يهدد بالورقة الأخيرة لديه، وهي حل السلطة الوطنية الفلسطينية. فهل دفعتهما هذه الأزمات إلى توقيع اتفاقية مصالحة، في هذا التوقيت، ومن دون أي ضمان عربي، أو دولي، بعكس الاتفاقيات الثلاث السابقة التي رعتها اليمن ومصر وقطر، والتي لم يكتب لها الاستمرار. أرجو ألا يكون الأمر كذلك البتة، وأن تكون هناك نتائج سريعة، ستلمس على أرض الواقع، بعد هذا التوقيع.
لسان حال الشارع الفلسطيني الذي يزداد بؤساً وفقراً هو الترقب الحذر الممزوج بالأمل، لأنه يريد من المصالحة أن تغير شيئاً من أوضاعه، وخصوصاً جيل الشباب الذي يعاني من فقدان الأمل بالمستقبل، أمام البطالة والفقر والحصار، وتقلص فرص العمل، ومنع السفر لإكمال الدراسة، أو للبحث عن فرصة عمل خارج غزة المحدودة الإمكانات.
ولا يمكن أن نغفل نقطة مهمة، عانى منها الشارع الفلسطيني في سنوات الحصار، وهي تعزيز التصنيف الفصائلي، بحيث عانى الناس، على الصعد كافة، من تصنيف (هذا فتحاوي وهذا حمساوي)، وكم من المشكلات الاجتماعية حدثت، وكم من صلات رحم قطعت، وكم من حالات طلاق وقعت، بل وكم من حالات زواج تعطلت!
لا يسعني، في هذا الوقت، سوى أن أهيب بوسائل الإعلام أن تعمل على دفع المصالحة إلى الأمام، إعلامياً وألا تكون مثل "غراب الشوم"، لأنها الوسيلة الوحيدة القادرة على بث الروح المعنوية لدى المواطن المتخوف، والمتشكك. وعلينا، أيضاً، كفلسطينيين، في قطاع غزة والضفة الغربية، أن نكون، كما تعودنا، أشد قوة وصبراً وجلداً، على تحمل تبعيات المصالحة، من ناحية الضغط الاقتصادي الذي سيواجه الحكومة المستقبلية، ونترك لها الفرصة، لتقف على أقدامها. وعلى منظمة التحرير، أولاً، حتى تتجاوز كل المشكلات المحيطة بها، أن تعيد ترتيب أوراقها، وأن تضع استراتيجية عامة، تسير عليها في ظل انضمام أكبر حركتين تحت جناحها، فهذا الانجاز التاريخي الذي تم في بيت إسماعيل هنية، في مخيم الشاطئ، نأمل أن يكون الحلقة الأخيرة من مسلسل الصراع المفجع، والمخزي، بين الشقيقين الفلسطينيين .

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.