توغل الجيش والمخابرات في مصر اقتصادياً... مشروعات بعشرات المليارات

توغل الجيش والمخابرات في مصر اقتصادياً... مشروعات بعشرات المليارات

27 فبراير 2019
مشروعات الجيش شملت محطات الكهرباء (فرانس برس)
+ الخط -

تتوغل الشركات التابعة للقوات المسلحة والمخابرات المصرية في العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمية محليا، مما عطل عدداً كبيراً من الفاعلين في هذه القطاعات، خاصة شركات المقاولات العاملة في مجال البنية التحتية.

يقول أحد المقاولين المصريين في تصريحات لـ"العربي الجديد": "الجيش أصبح يسيطر على قطاع المقاولات بشكل شبه كامل، كما أنه يحصل على المشروعات ويسندها إلى شركات مقاولات من الباطن بأسعار زهيدة جداً، ونحن مضطرون للقبول بها نظراً لسيطرته على أغلب المشروعات المطروحة".

ويضيف المقاول الذي فضل عدم ذكر اسمه: "هذا النشاط الاقتصادي للجيش لم يكن كذلك في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بل كانت هناك فرص للشركات الصغيرة أن تعمل وتنافس، وكان الجيش بعيداً عن الكثير من المشروعات"، مؤكدا أنه "خسر الكثير من الأموال نتيجة التعامل مع الجيش من الباطن نظرا للأسعار المتدنية التي يعرضها على المقاولين". 

إنشاء المستشفيات

مستند رسمي صادر عن وزارة الصحة المصرية وموجه إلى عضو مجلس النواب أحمد بدوي، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، يعد مثالاً على ما يحدث، إذ يُظهر المستند إسناد مشروع "هدم وإعادة بناء مستشفى طوخ المركزي التابع لمديرية الشؤون الصحية بمحافظة القليوبية بدلتا نهر النيل شمال القاهرة، إلى جهاز المخابرات العامة".

وجاء في نص الخطاب: "السيد الأستاذ أحمد بدوي عضو مجلس النواب رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب.. إيماء إلى الطلب المقدم من سيادتكم بشأن هدم وإعادة بناء مستشفى طوخ المركزي.. أرجو التفضل بالإحاطة بأن قطاع الشؤون المالية والإدارية أفاد بأنه تم إصدار أمر إسناد إلى قطاع مشروعات الصحة - جهاز المخابرات العامة، لهدم وإعادة بناء المستشفى وذلك وفقا إلى مقايسة الأعمال المعتمدة والمختومة".


وتم تحرير الخطاب الموقّع من رئيس الإدارة المركزية للاتصال السياسي بوزارة الصحة المصرية الدكتور حسام أبو ساطي في فبراير/ شباط 2019.

وتتوغل الشركات التابعة للمخابرات المصرية والجيش في السوق المصرية من خلال تنفيذ مشروعات محلية، خاصة في مجال البنية التحتية بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم.

مشروعات بعشرات المليارات

واجتذب الجيش مشروعات اقتصادية بعشرات المليارات منذ إطاحة الجيش نظام الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 وأصبح منافسا شرسا للشركات المدنية.

وفي عام 2012 عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمراً صحافيا كشف فيه نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك، اللواء أركان حرب محمد نصر، أن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش، هي 198 مليون دولار، وأن نسبتها في ميزانية الدولة تعادل 4.2%، ولكن، بحسب مصادر مطلعة، لا يعبّر ذلك عن الاستثمارات الحقيقية للجيش.

كما صرح رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بأن الجيش يسيطر على 10% من الاقتصاد المصري في حوار سابق له مع جريدة "نيويورك تايمز".

وتنفذ المخابرات المشروعات حسب مصدر مطلع عبر عدد من الشركات منها "الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات" وتتخصص في كافة أعمال المقاولات العامة والتوريدات والإنشاءات وأعمال المرافق والطرق والصيانة وأعمال التركيبات الميكانيكية والكهربائية والأعمال المساحية، وقد نفذت الشركة عددا من المدارس، ومراكز الشباب، وحمامات سباحة، والوحدات الصحية وتطوير ملاعب كرة القدم.
أنفاق وجسور

وفي عام 2014 صدر قرار لحكومة حازم الببلاوي بضم أعمال صيانة لـ27 من الجسور والأنفاق بتكلفة إجمالية تبلغ 4.47 مليارات جنيه يتم تنفيذها من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وتنفذ الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مشروع إنشاء مدينة الأثاث في دمياط. وحسب اللواء إيهاب الفار مدير إدارة الأشغال العسكرية في القوات المسلحة، فإن مدينة الأثاث بدمياط تقع في منطقة استراتيجية بالقرب من موانئ التصدير على بُعد 14 كيلومترا من ميناء دمياط على ساحل البحر المتوسط، و50 كيلومترا من ميناء بورسعيد، بمساحة تقدر بنحو 331 فدانا.

وتتكلف المدينة سبعة مليارات جنيه، ونسبة التنفيذ للأعمال المكلفة بها الهيئة بلغت 99%، وفق المصدر، مضيفاً أنه سيتم الانتهاء من الأعمال كافة بحلول مطلع مارس/ آذار المقبل.

وتأسست شركة مدينة دمياط للأثاث في يونيو/ حزيران 2016، برأسمال مرخص به يبلغ خمسة مليارات جنيه، ورأسمال مصدر قيمته 521 مليون جنيه بنسبة 40% لمحافظة دمياط وهي قيمة الأرض، و40% لبنك الاستثمار القومي، و15% لشركة "أيادي مصر للتطوير الصناعي"، و5% للجهاز التنفيذي للمشروعات الصناعية والتعدينية بوزارة الصناعة. 

تطوير الأندية

كما أسندت للهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية مهمة الإشراف على تطوير استاد القاهرة الدولي. وكان وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي قد اشتبك مع الرئيس السابق محمد مرسي بعد مطالبته الرقابة على ميزانية الجيش المصري، وقال وقتها وزير الدفاع: "سندافع عن عَرَقنا" في إشارة للشركات التي قام بتأسيسها الجيش.

كما أُسند تنفيذ إنشاء نادي المحامين بأسوان إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بناء على قرار نقيب المحامين سامح عاشور، خلال زيارته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2017، فضلا عن إسناده تنفيذ المبنى العام لنقابة المحامين في القاهرة للهيئة الهندسية بوزارة الإنتاج الحربي.

وأبرمت نقابة البيطريين المصرية اتفاقا مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لتنفيذ وبناء وتشطيب النادي النهري للنقابة الذي تبلغ مساحته 1030 مترا مربعا بمنطقة العجوزة بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة. 

100 ألف وحدة سكنية

وحسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تنفذ مشروع "دار مصر" الخاص بالإسكان المتوسط لصالح وزارة الإسكان، كما أن الهيئة تتولى تنفيذ مشروعات الإسكان في مدن بدر والعبور وحدائق أكتوبر على أطراف العاصمة وجمصة التي تتبع محافظة الدقهلية شمال القاهرة، وغيرها من الوحدات السكنية.

كما تنفذ الهيئة الهندسية 246 عمارة سكنية لمصلحة وزارة الإسكان في العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، فضلا عن تنفيذ 100 ألف وحدة سكنية من الإسكان المتوسط بمساحات تتراوح بين 110 إلى 130 مترا، على 3 مراحل، وتم اختيار مدن 6 أكتوبر، والشروق، والعبور، والقاهرة الجديدة، ودمياط الجديدة، والسادات، والعاشر من رمضان، وبدر لتنفيذ المرحلة الأولى.

وأكدت مصادر عسكرية أن الهيئة الهندسية تقوم حاليا بتنفيذ عدة مشروعات للطرق. وكشف كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أثناء إحدى زيارات السيسي للعاصمة الادارية الجديدة مؤخرا، أن الهيئة تنفذ 126 مشروعا بتكلفة 150 مليار جنيه، ومن هذه المشروعات: الحي الحكومي، ومطار العاصمة الدولي، والمحور الأخضر بالعاصمة الإدارية الجديدة، مشيرا إلى أن الهيئة تنفذ أيضا أكبر مصنع للإسمنت بمدينة العريش في محافظة شمال سيناء (شمال شرق مصر).

أما خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فقال إن الهيئة الهندسية في القوات المسلحة تقوم بتطوير مستشفى طوارئ قصر العيني التابعة لكلية الطب بجامعة القاهرة، وذلك تنفيذا لتوجيهات السيسي، ويتكلف تطوير المستشفى خمسة مليارات جنيه، حسب الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة. 

195 مليار جنيه

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أعلن العقيد أركان حرب تامر الرفاعي المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية في حوار له في الفضائية المصرية الأولى التابعة للحكومة ببرنامج "مصر النهارده" أن الهيئة الهندسية مكلفة بـ 310 مشروعات بتكلفة قدرها 195 مليار جنيه، وتم الانتهاء من تنفيذ 145 مشروعا، ويجري تنفيذ 165 مشروعا آخر، أبرزها المزارع السمكية والبحيرة الصناعية والمنطقة الصناعية في بورسعيد.

كما تنفذ الهيئة الهندسية ، وفق الرفاعي، تسعة طرق بإجمالي أطوال 460 كيلومترا، بالإضافة إلى 15 طريقا بإجمالي أطوال 1462 كيلومترا يجري تنفيذها حالياً، ليصل الإجمالي إلى 1922 كيلومتراً من الطرق في شبه جزيرة سيناء.

وقال إن الهيئة الهندسية مكلفة بإنشاء 81 وحدة سكنية و400 بيت بدوي، وتنفيذ 15 مستشفى ووحدة صحية ومخزن أدوية، وجارٍ رفع كفاءة ستّة مستشفيات أبرزها مستشفى رفح. وفي ما يتعلق بالتعليم، قال إنه جار تنفيذ 53 مدرسة وجامعة ومعهد وإدارة تعليمية، تم الانتهاء من 45 مشروع منها.

أما رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير فقد كشف عن مشروعات كثيرة تم إسنادها للجيش بمبالغ طائلة، إذ قال في 25 إبريل/ نيسان الماضي في تصريحات له إن الهيئة أسند اليها تنفيذ 290 مشروعا بتكلفة مالية 175 مليار جنيه تم الانتهاء من تنفيذ 134 مشروعا بتكلفة 24 مليار جنيه ويجري تنفيذ 156 مشروعا بتكلفة 151 مليار جنيه.

وفي مجال الرعاية الصحية تم إسناد تنفيذ 15 مستشفى ووحدة صحية للهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة بتكلفة مالية 1.2 مليار جنيه، وتم الانتهاء من إنشاء وتطوير تسعة مستشفيات ووحدة صحية ويجري إنشاء ورفع كفاءة ستّة مستشفيات.

وأوضح أنه تم الانتهاء من تنفيذ مستشفى بئر العبد المركزي ومستشفى نخل ومستشفى طابا المركزي ومستشفى أبو رديس المركزي، والمستشفى المركزي بالعريش ومستشفى الشيخ زويد المركزي وقسم استقبال الطوارئ بمستشفى سانت كاترين، بالإضافة إلى المشروعات الجاري تنفيذها حاليا وأهمها مستشفى رفح المركزي ومستشفى بغداد ومستشفى رمانة ومستشفى الجفجافة، وكلها في سيناء شمال شرق مصر. 

إمدادات المياه

وفي مجال الإمداد بالمياه أكد رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أنه أسند للهيئة تنفيذ 54 مشروعا بتكلفة مالية حوالي 31 مليار جنيه تم الانتهاء من تنفيذ 23 مشروعا ويجري تنفيذ 31 مشروعا.

من جهته، أكد مصدر مالي مسؤول في شركة المقاولون العرب، كبرى شركات المقاولات المصرية لـ"العربي الجديد" أن القوات المسلحة والمخابرات لا تقومان بتنفيذ كل تلك المشروعات بشكل مباشر، إذ إنهما يسندان المشروعات إلى شركات أخرى وأولاها "المقاولون العرب" من الباطن، وبدورها تقوم شركتنا بإسناد أجزاء كبيرة من تلك المشروعات لشركات مقاولات أخرى أصغر.

وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن القوات المسلحة والمخابرات تحتفظان بحق صرف المستحقات المالية إلى المقاولين الصغار وذلك لضمان الالتزام.



المساهمون