فقد استغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي المواقف الصادرة عن حزب العمال البريطاني في دعمه لحقوق الفلسطينيين وانتقاد سياسات الاحتلال، لمهاجمته بتهمة معاداة السامية، والتي كانت آخر حلقاتها الذكرى المئوية لوعد بلفور في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
إلا أن زعيم الحزب، جيريمي كوربن، أقر في تصريحاته الأسبوع الماضي، بوجود مشكلة من عداء السامية في صفوف الحزب، والتي تعود جذورها إلى العداء الأوروبي لليهود منذ القرن التاسع عشر، وتعد سياسة عنصرية ضد مجموعة عرقية ودينية.
ودفعت الاتهامات الموجهة إلى حزب العمال بمعاداة السامية، بزعيم الحزب جيريمي كوربن إلى إصدار بيان يقر فيه بوجود "جيوب من معادة السامية" في صفوف الحزب، مبدياً أسفه وممتنعاً عن الاعتذار عن تفشي هذه الظاهرة بين مؤيديه.
ودفع ردّ فعل كوربن الخجول، قيادات المجتمع اليهودي البريطاني إلى الاحتجاج، اليوم، أمام مقر البرلمان في ويستمنستر، في وقت كان فيه برلمانيون عن حزب العمال يطالبون كوربن، الموجود داخل البرلمان، بحضور اجتماع اليوم ليشرح موقفه.
وكانت الأزمة قد تطورت بعدما طلبت لوسيانا بيرغير، النائبة عن حزب العمال، الأسبوع الماضي، من مكتب رئيس الحزب تفسيراً عن معارضته لإزالة لوحة جدارية في شرقي لندن معادية لليهود، تعود للعام 2012.
وتعبر اللوحة عن الاعتقاد السائد بسيطرة اليهود على رأس المال العالمي، حيث تصور أثرياء يهوداً يلعبون "المونوبولي" على ظهور أشخاص عراة.
وكان كوربن قد دافع عن وجود اللوحة بوضعه تعليقاً على صفحة الرسام، مبدياً دعمه، ومضيفاً: "لقد أزال روكفيلر لوحة دييغو فييرا الجدارية، لأنها تحتوي صورة للينين".
وجاء الرد الأولي من مكتب كوربن أنه "في عام 2012، تجاوب جيريمي مع المخاوف من إزالة اللوحة الجدارية من مبدأ الدفاع عن حرية التعبير. إلا أن اللوحة كانت جارحة، واستخدمت صوراً معادية لليهود، وهو ما لا مكان له في مجتمعنا، وإزالتها هي الخطوة الصحيحة".
إلا أن هذا التصريح لم يكن كافياً، واضطر مكتب كوربن لإصدار بيانٍ ثان يقول فيه: "أعبر بإخلاص عن ندمي لأني لم أنظر عن قرب إلى اللوحة التي علقت عليها"، ليتبع ذلك بتعبيره عن أسفه لوجود جيوب معادية لليهود في صفوف حزبه، وهو ما جاء دون الاعتذار، وخاصة أن اللوحة مستوحاة من صحيفة نازية "دير شتورمر".
ودفع ذلك بجوناثان غولدستين، مدير مجلس القيادة اليهودية البريطاني، للتصريح لشبكة "بي بي سي" أن أعضاء حزب العمال المعادين للسامية "دائماً ما يطردون الصوت اليهودي من نقاشات الحزب"، معتبراً أنه "لا توجد مساحة آمنة على الإنترنت، أو في الاجتماعات الحزبية العمالية. أينما ذهبنا يقال لنا أن نتصرف بناء على توجيهات من إسرائيل، أو أن عائلة روتشيلد تحكم العالم، أو أن (داعش) هي واجهة اختلقتها إسرائيل، أو أن الصهاينة هم النازيون الجدد. أخشى أن وقت الكلام انتهى، وحان وقت العمل. لقد سئمنا من سماع أن كوربن يعارض معاداة السامية".
وكان جون مان، رئيس المجموعة البرلمانية المختصة بمعاداة السامية، والعضو في حزب العمال، انتقد موقف جيريمي كوربن، ولكنه نفى أن يكون كوربن ذاته معادياً لليهود.
وقال مان: "إذا لم يستطع كوربن التعامل مع هذه المشكلة الآن، فإن حزب العمال لن ينجو منها.. لن يكون رئيساً لوزراء هذا البلد إن لم يستطع القيادة وحل هذه المعضلة".
وأضاف: "بصراحة، أعتقد أن الأزمة أكبر من ذلك.. لقد تشكل حزب العمال للتعامل مع التمييز والآراء المسبقة.. إذا فشل التعامل مع هذا الأمر، فإنه سيدمر أساس وجود حزب العمال".
وتأتي هذه الأزمة العمالية بالتزامن مع خلافات أخرى داخل الحزب، وخاصة حول "بريكست"، حيث كان كوربن قد طرد أوين سميث من حكومة الظلّ العمالية، بعد تصريحاته التي دعم فيها إجراء استفتاء ثانٍ حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.