حقوقيون يشككون بجدية الإفراج عن آلاف السجناء السياسيين في مصر

07 نوفمبر 2024
عناصر شرطة أمام سجن طرة، 11 فبراير 2020 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الشكوك حول جدية النظام المصري في الإفراج عن السجناء السياسيين مستمرة، رغم توقيع آلاف السجناء على استمارات الإفراج الشرطي، حيث تُعتبر هذه الخطوات استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي دون نتائج ملموسة.
- يشير حقوقيون إلى ضرورة وجود ضوابط قانونية للإفراج الشرطي لتجنب التمييز السياسي، مع احتمال شمول السجناء السياسيين رغم الغموض حول المعايير المستخدمة.
- التوقعات بانفراجة في ملف السجناء السياسيين تواجه شكوكاً، مع مطالبات بوجود لجنة قضائية مستقلة لضمان الإفراج العادل وتسريع الإجراءات.

لا تزال الشكوك تكتنف جدية النظام المصري في إمكانية حدوث انفراجة بملف المعتقلين، رغم الاتجاه للحصول على تواقيع السجناء السياسيين في مصر على استمارات بالإفراج المشروط. ولم يبدد تلك الشكوك قرار النائب العام المصري بإحالة القضايا التي تجاوزت مدة الحبس الاحتياطي إلى المحاكمة، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي طالب بإصلاحات في ملف حقوق الإنسان.

وبدأت السلطات في السجون قبل أيام بالحصول على تواقيع من آلاف السجناء السياسيين في مصر على استمارات الإفراج الشرطي، ما قد يشير إلى احتمالية الإفراج عنهم قريباً. لكن هذه الخطوات نفسها سبق إجراؤها مراراً، من دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل.

بيع أمل كاذب لآلاف السجناء السياسيين في مصر

واعتبر حقوقيون أن السلطات تكرر تلك الخطوات كل حين، في سبيل بيع أمل كاذب لآلاف السجناء السياسيين في مصر وذويهم، مقابل 200 جنيه (أربعة دولارات)، للاستمارة يدفعها ذوو المعتقلين رسوماً للاستمارة، وتمثل حصيلة مالية ضخمة لإدارة السجون.

أكد أحمد بهاء الدين شعبان ضرورة وجود ضوابط قانونية لموضوع الإفراج الشرطي

وبحسب مصادر حقوقية متطابقة، وقّع الآلاف من السجناء السياسيين في مصر في مختلف أماكن الاحتجاز في جميع المحافظات على استمارة الإفراج الشرطي، لمن قضوا نصف عقوباتهم وفق مدة محكوميتهم، وذلك لعرضهم على لجنة مختصة في مصلحة السجون لبحث ملفاتهم وإمكانية الإفراج عنهم في أقرب مناسبة. ووفقاً لهذه المصادر، فقد كان الإفراج الشرطي محصوراً بالسجناء الجنائيين، ولم يشمل السجناء السياسيين في مصر طوال العقود الماضية، ولكن، بدأت مصلحة السجون في الحصول على تواقيع السجناء على هذه الاستمارة، ما يشير إلى احتمال حدوث انفراجة في ملف السجناء السياسيين في مصر الذين يشير بعض التقارير شبه الرسمية إلى أن عددهم يتجاوز 70 ألفاً، تم احتجازهم بعد إطاحة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في عام 2013.

ولم تحدد المصادر أعداد السجناء السياسيين في مصر الذين يكفل لهم القانون التوقيع على استمارة الإفراج الشرطي، أو ما إذا كان الأمر سيتم وفقاً للانتماءات السياسية، بحيث لا يشمل كوادر جماعة الإخوان المسلمين أو المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، مما دعا المصادر إلى التمهل قبل تقييم تأثيرات هذه الخطوة التي تتم في السجون المصرية عادة في مناسبات مختلفة، مثل ذكرى ثورة يوليو/تموز 1952 أو حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، أو في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وغيرها.

إجراءات متكررة

وفي هذا السياق، أوضح الحقوقي المصري خالد المصري، الذي كشف في تدوينة له أخيراً عن شروع مصلحة السجون في الحصول على توقيع آلاف السجناء السياسيين في مصر على الإفراج الشرطي، أن هذا الإفراج في القانون المصري يتمثل في إطلاق سراح المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قبل انقضاء مدة عقوبتهم، ولكن بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليهم المتابعة لدى الأجهزة الأمنية، بشكل يسهم في تقييد حريتهم ويربط بين تمتعهم بالحرية والوفاء بهذه الالتزامات. وأضاف: "كان هذا النص القانوني مقتصراً كعرف داخل مصلحة السجون على السجناء الجنائيين، رغم أنه ينطبق على السياسيين كذلك، لكنه لم يُطبق عليهم أبداً". وأشار إلى أنه تلقى اتصالات من ذوي مئات السجناء السياسيين في مصر تفيد بتوقيعهم على القرار، دون أن يتبع ذلك أي إجراءات فعلية لبدء الإفراج عن هؤلاء السجناء، أو تحديد مدة عمل اللجنة التي ستدرس استمارات التوقيع على الإفراج الشرطي.

ورغم تأكيد المصري أن السلطات الرسمية لا تعبأ كثيراً بصورتها أمام المجتمع الدولي، ولا بصندوق النقد، إلا أنه توقع حدوث انفراجة في هذا الملف قد تؤدي لإخلاء سبيل عدد كبير من السجناء السياسيين في مصر خلال المرحلة القادمة. وأوضح أن التجارب مع السلطات المصرية في هذا السياق لا توفر أجواء للتفاؤل، لكنه أعرب عن اعتقاده أن هذا الملف سيشهد إجراءات جادة، رغم أن كل الإجراءات المتعلقة بالإفراج الشرطي محاطة بالغموض ولا يدرك أحد شيئاً عن مواعيد البدء في تنفيذها، ويجب الانتظار قبل تقييم هذه الخطوة حال حدوثها.

هشام قاسم: النظام لا يهتم بتحسين صورته لا في الداخل ولا الخارج

بدوره، شكك الحقوقي المصري والمدير التنفيذي لشبكة معلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، في وجود مثل هذا التوجه، مبدياً رغبته في تأجيل تقييم هذه الخطوة حتى يصدر بيان رسمي من وزارة الداخلية أو العدل، وحتى يرى آلاف السجناء السياسيين في مصر يغادرون محبسهم بالفعل. وقال: "الأمر أكثر تعقيداً، فنحن نرصد الآلاف ممن ينهون مدة عقوبتهم أو تنتهي مدد حبسهم الاحتياطي، ثم نفاجأ بتدويرهم في قضايا أخرى على يد الأجهزة الأمنية". وأضاف: "خلال الفترة الأخيرة، كرر مقربون من النظام نية تقليص مدة الحبس الاحتياطي إلى الحد الأدنى، ضمن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، لكننا على أرض الواقع لم نلمس شيئاً ذا قيمة يؤكد جدية النظام في إجراء أي إصلاحات تغلق هذا الملف شديد التعقيد".

ضوابط قانونية للإفراج الشرطي

وفي السياق نفسه، أكد الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان ضرورة وجود ضوابط موضوعية وقانونية لموضوع الإفراج الشرطي، بحيث لا يتحوّل من حق قانوني إلى هبة تحكمها الأهواء والمعايير غير الموضوعية، تُستخدم للتفريق بين السجناء بحسب هويتهم وانتمائهم السياسي، وأن تكون اللجنة المفوّضة بإطلاق سراح السجناء لجنة قضائية وقانونية مستقلة. وشدّد على ضرورة تسريع إجراءات الإفراج الشرطي ووجود ضمانات تمنع الأجهزة الأمنية من تقييد حرية السجناء السياسيين في مصر المفرج عنهم أو تقييد حقهم في العمل والكسب، ناهيك عن الحق في التنقل الذي هو أساساً مقيد، لأنه بدون ذلك سيتحول الإفراج الشرطي إلى عقوبة مشابهة للحبس الاحتياطي.

واعتبر شعبان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن خطوة الإفراج الشرطي، في حال تنفيذها، جيدة لإحداث انفراجة في هذا الملف الحساس، إلا أنها تبدو غير كافية في ظل وجود عدد كبير من السجناء السياسيين في مصر الذين لم يتورطوا في أعمال عنف أو إراقة الدماء أو المحبوسين احتياطياً دون أدلة قوية على تورطهم في مخالفة القانون. وأضاف: كل ذلك يجعلنا بحاجة إلى قرار سياسي شجاع يغلق هذا الملف بخطوات كلية شاملة وليست جزئية هامشية.

بدوره، قال السياسي والناشر المصري هشام قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يفضل التعليق على الإفراج المشروط إلا بعد إخلاء سبيل عدد كبير من السجناء السياسيين في مصر يتناسب مع حجم المشكلة، وعندها فقط يمكن الحديث عن مدى الجدية. وأضاف قاسم: "لكن في ظل استمرار النظام في الكذب بانتظام عن نيته الإصلاحية العامة، أو في مجال الحريات، فلا مجال للتعامل بنوايا طيبة" مع هذا الأمر. وأوضح أن "النظام لا يهتم بتحسين صورته لا في الداخل ولا في الخارج، ولا يتخذ أي خطوات جادة تجعل البعض يحسن الظن به، ولو بشكل محدود".