تمييز في لبنان

تمييز في لبنان

26 نوفمبر 2015
+ الخط -
يمكن أن يعتبر بعضهم أن هذا الموضوع لا يستحق مقالا، لكن ما سأرويه ببساطة يروي قصة حزينة، بل حلقة من مسلسل مأساة التمييز بحق الفلسطينيين في لبنان.
تبدأ القصة ولا تنتهي من تفجيري برج البراجنة الإرهابيين على يد داعش، اللذين أدميا قلوب اللبنانيين وكذلك الفلسطينيين وكل إنسان. لقد تربّص الإرهاب بمنطقة تسوّق مكتظة بالزبائن، موقعا القتلى من جميع الأعمار، وصودف من بين القتلى فلسطينيان، هما الشهيد حسين الشناوي وعفيف السيد.
تابعنا جميعا مأساة العائلات المنكوبة والأمهات الثكلى والأطفال اليتامى، تروى قصصهم بشجون بالغ الأسى عبر وسائل الإعلام اللبنانية، وبحمد الله تم تجنيب لبنان كارثة بكل ما في الكلمة من معنى، حيث أريد زرع الفتنة بين الطرفين الفلسطيني واللبناني، عبر رسائل قصيرة تناقلتها الهواتف الذكية عن أسماء الانتحاريين، عبر ورود اسمين لفلسطينيين، ولولا بعض العقلاء من الجهتين، لوقعت الواقعة بين الطرفين، ولدخل الوسط اللبناني والمخيمات الفلسطينية في المجهول.
كان الوجع ثقيلا على الجميع، فلكلٍ قصته من المأساة، لكن اسمحوا لي أن أدعي أن حصة الفلسطيني كانت وما زالت أثقل. حسين الشناوي عشريني من مخيم برج البراجنة، كان يعد أوراقه للسفر خارج البلاد، ضاقت به السبل، مثل غيره من الفلسطينيين في لبنان، المحرومين من سبعين مهنة، اختار طريق الهروب والخطر عبر تركيا، وبقية الطريق معروفة، لكن القدر لم يسعفه، فالموت كان أسرع. أما عفيف فهو أب لثلاثة أطفال، وهو عامل يعيل أسرته بما تيسّر، وهو من سكان مخيم شاتيلا. حسين وعفيف سقطا شهيدين كذلك في تفجيري البرج.
اختلطت دماء عفيف وحسين الفلسطينية بالدماء اللبنانية، لكن الدولة اللبنانية لا ترى ذلك، فلديها كلام آخر ونظرة أخرى، فالدم الفلسطيني ليس صنوا أبدا للدم اللبناني. هذا ما صعقني وأنا أسمع اللواء محمد خير مسؤول الهيئة العليا للإغاثة وهو يجيب على أسئلة صحافي حول حصر الأضرار في تلك المنطقة والتعويضات لأسر الضحايا، فأجاب اللواء خير أن عائلات الشهداء من اللبنانيين فقط حصرا هم من ستُصرف لهم التعويضات.
وببحث سريع على النت، تبيّن أن الهيئة التابعة لمجلس الوزراء سوف تصرف مبلغ عشرين ألف دولار لكل عائلة شهيد، بالتأكيد سيحرم منها عفيف وحسين. ذنب عفيف وحسين الأول أنهما سقطا شهيدين على يد تنظيم إرهابي لا يعرف الرحمة، ولا يميّز بين فلسطيني ولبناني، خطفكما وترك عائلتاكما للحزن والمأساة وهذا ليس بيدكما، والثانية أنكما فلسطينيان في بلد لا يعترف بكما كإنسانين ولا أبالغ، وهذا بيد الدولة اللبنانية.
داعش الذي لم يميّز بين البشر في تلك التفجيرات، ميّزت الدولة اللبنانية بين دمائهم عبر حرمان الفلسطيني حق التعويض لعائلته بعد سقوطه شهيدا في تفجير على أرضها، وبهذا الأسلوب، يدخل في قاموس التمييز ضد الفلسطينيين إجراء جديد، يضاف الى سجل الإجراءات التمييزية السابقة، لا يمكن تفسيره إلا أن الفلسطيني ببساطة، حتى بالسقوط صريعا في تفجير لم ولن يؤدي لتغيير النظرة العنصرية، فالفلسطيني ليس إنساناً.
لن تعيد الأموال الأحبة، لكن حتى هذه اللفتة من الدولة اللبنانية، وهي خطوة رمزية مهما بلغ حجمها المادي، هي لا شيء يذكر أمام هول الجريمة وفقدان الأعزاء.
حسين وعفيف ستعض عائلتاكما على الجرح مرتين. مسلسل التمييز الإنساني طالكما حتى وأنتم أموات أيضا.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)