تكريس العزلة.. الشاشة خير صديق

21 مارس 2016
(Getty)
+ الخط -
في إعلان لإحدى شركات المحمول يبث مؤخرا، ويهدف إلى قطع التواصل بين الناس، يظهر شاب منتظرا في مكان ما يتعاقب عليه أشخاص يتحدثون معه في أي شيء وهو يهز رأسه غير عابئ بما يقولون، وينتهي الإعلان بحث "البطل" على شحن الإنترنت بمبلغ زهيد بدلا من الكلام مع من حوله والاستماع لهم.

فجاجة الإعلان صدمت المشاهد، الذي انتقد فكرته على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم قسوة المشهد الذي عرضه الإعلان ودعوته للعزلة بشكل غير مباشر، إلا أن الشركة المعلنة لم تكن لتقدّم ذلك الإعلان الصادم لو لم يكن له صدى حقيقي في الشارع المصري.

اختلف زبون المقهى "البلدي" اليوم عن السابق، فمنذ اختراع فكرة المقهى كان الهدف الرئيسي منها والذي استمر لسنوات يطبق على أرض الواقع، هو التواصل، سواء كان مع الأصدقاء أو الأشخاص الغرباء من مرتادي المقاهي، في حين أن المشهد السائد اليوم على المقاهي، هو جلوس مجموعة من الأشخاص مع بعضهم وكل منهم مندمج في هاتفه المحمول، ولا يلتفت إلى الشخص الجالس بجواره.

تعبيرات العزلة انتشرت في الآونة الأخيرة بكثرة، وبرصد بسيط لأحد الأماكن الشعبية في منطقة دار السلام، نجد أن أكثر من 7 محلات للتسالي، التي تهدف إلى لم الشمل والتواصل، مثل محلات العصائر ومقالي اللب والسوداني، تم تبديل نشاطها التجاري في أقل من 4 أشهر لتصبح محلات خاصة بالدعاية للإنترنت والمحمول.

يؤكد عبد الرحمن سعيد، صاحب محل محمول، أنه بدّل نشاط محله السابق "عصير قصب" إلى محل "موبايلات" بعد توقف حاله لسنوات، مضيفًا "أبويا كان صاحب المحل وبقالنا أكثر من 30 سنة بنشتغل في عصير القصب، لكن حاله وقف، والناس بطلت تشرب عصير، بقالنا 5 سنين في الحال ده، مفيش دخل خالص، فقررت أغير نشاطه لموبايلات وإنترنت، وده إللي ماشي اليومين دول"، ويحكي عبد الرحمن عن زبون "عصير القصب" قائلا "مفيش واحد لوحده كان بيجي يشرب عصير قصب إلا نادرا، دايما تبقى عيلة كاملة، أو مجموعة أصحاب بيجوا يقفوا ويشربوا ويتكلموا أو يهزروا مع بعض"، ويتابع "دلوقتي الحال إتغير، الناس كلها قاعدة على الإنترنت في التليفون، مش فاضيين يبصوا في وش بعض، فقررت أساير الموجة وأقلبه محل تليفونات وإنترنت".

ويحكي عم إسماعيل "قهوجي" في أحد المقاهي "البلدي" بمنطقة دار السلام، عن التغير الذي طرأ على زبون المقهى، قائلا "بقالي 35 سنة باشتغل في القهوة دي، وزبايني عارفهم بالإسم"، متابعا "الزباين كانت بتيجي زمان تقابل بعض وتشرب كباية شاي أو قهوة، ويتكلموا في أي حاجة وفي كل حاجة، سياسة وأوضاع بلد، وأحوال معيشة، ويلعبوا طاولة ودمينو، وأحيانا تلاقي إتنين قاعدين مع بعض وبعد ربع ساعة القعدة توسع وتلاقي إتلم حواليهم 10 أنفار بيتكلموا ويتناقشوا معاهم حتى لو ميعرفهومش". وبابتسامة حزينة يقول "كل حاجة دلوقتي إتغيرت، حتى البني آدم، الناس زي ما تكون مش عايزة تعرف بعض، الوشوش إتغيرت، تيجي تلاقي الزبون يطلب كوباية شاي ووشه في التليفون إللي في أيده، حتى مش بيبص يشوف مين إللي بيخدم عليه". ويضيف "المحمول والنت أكلوا دماغ الناس خلاص، محدش بقى بيصبح على التاني، الناس ماشية في الشارع ووشها في المحمول، حتى كل المحلات إللي حوالينا قلبوا وغيروا نشاطهم وبقوا بيشتغلوا في المحمول والنت".


اقرأ أيضاً: 8 أمور هامة في حياتنا قد يدمرها الهاتف الذكي
دلالات