تعليم إدلب... إرباك في ظلّ النزوح والقصف

تعليم إدلب... إرباك في ظلّ النزوح والقصف

23 فبراير 2020
التعليم مستمرّ هنا رغم الظروف القاسية (إبراهيم يسوف/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب الوضع الكارثي الذي وصل إليه قطاع التعليم نتيجة عمليات النزوح الكبيرة من جنوب المحافظة إلى شمالها.

يُقدّر عدد النازحين في محافظة إدلب بنحو مليون مدني، الأمر الذي تسبّب في ضغط هائل على المدارس في مدن شمال المحافظة وبلداتها، عدا عن تحوّل بعض المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين، مؤدياً إلى ما يشبه شللاً في التعليم. ويتحدث مدير دائرة الإعلام في مديرية التربية في محافظة إدلب، مصطفى الحاج علي، لـ"العربي الجديد"، عن "الوضع الكارثي للتعليم في المحافظة"، مشيراً إلى أنّ "نحو 320 ألف تلميذ نزحوا من مناطق متفرّقة من أرياف إدلب الغربي والجنوبي والشرقي إلى مناطق الشمال السوري التي كانت أكثر أماناً قبل هذه الفترة". يضيف الحاج علي أنّ "الأرقام المتوفّرة تكاد لا تصل إلى الحقيقة بسبب التغيّرات الطارئة على المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام بشكل شبه يومي".

ويقول الحاج علي إنّ "مديرية التربية والتعليم عملت على تشكيل لجان طارئة من أجل استيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ في المناطق الآمنة. فنظّمت تلك اللجان الدوام المدرسي وقسّمته لمرحلتَين وبعدد ساعات مضغوط، كذلك وفّرت 70 مدرسة كمأوى للأهالي النازحين بشكل مؤقت، فيما تتابع اليوم أوضاع تلك المدارس من أجل إعادتها إلى العمل، وذلك من خلال تواصلها مع المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية حتى يُنقل الأهالي من المدارس إلى مراكز إيواء". ويوضح الحاج علي أنّ "النظام وضع يده على أكثر من 170 مدرسة، فيما تعرّضت أكثر من 130 مدرسة للقصف، وذلك في مجمّعات تعليمية عدّة تابعة لمديرية التربية (المجمّع التربوي هو وحدة تربوية تغطّي قطاعاً جغرافياً من ضمن المحافظة يضمّ مدينة أو أكثر) كمجمّع كفرنبل ومجمّع خان شيخون ومجمّع معرّة النعمان، بالإضافة إلى أطراف مجمّع إدلب التربوي، أي مدينتَي سراقب وتفتناز التابعتَين لمدينة إدلب التي أغلقت كلّ مدارسها. فالنظام استخدم عدداً من تلك المدارس منطلقاً لجنوده بهدف السيطرة على باقي المناطق، وعدداً آخر مقرّات ومستودعات لذخيرة الجيش".

من جهته، يقول مشرف مجمّع إدلب التربوي عبد الله العبسي لـ"العربي الجديد" إنّ "التعليم كما يرى الجميع يواجه وضعاً صعباً، في ظلّ الظروف الحالية من قصف وتهجير واحتلال لبعض المدن والقرى في محافظة إدلب. وفي مجمّع إدلب فقط، ثمّة 150 ألف تلميذ محرومون من التعليم و40 ألفاً في 90 مدرسة يداومون دوام طوارئ، ما يعني عدد ساعات قليلاً يضمن عدم انقطاع التلميذ عن مدرسته. كذلك ثمّة 95 مدرسة مغلقة و105 مدارس وقعت تحت سيطرة النظام". ويؤكد العبسي أنّ "60 في المائة من عمل المدرّسين في محافظة إدلب هو عمل تطوعي بسبب عدم توفّر رواتب لهم".



وكان فريق "منسقو استجابة سورية" قد أفاد في بيان بأنّ 500 ألف تلميذ تقريباً مهدّدون بالحرمان من التعليم في الشمال، مضيفاً أنّ ثمّة 1255 مدرسة مهدّدة موزّعة على الشكل الآتي: 285 مدرسة في ريف حلب و936 مدرسة في إدلب و34 مدرسة في ريف اللاذقية. في السياق، يؤكد مدير "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج لـ"العربي الجديد" أنّ "واقع التعليم يمرّ حالياً بأسوأ مراحله، إذ ثمّة عجز كبير في موضوع تأمين مستلزمات التعليم. كذلك توقّف الدعم عن 840 مدرسة في محافظة إدلب. وبالتزامن مع النزوح الحاصل في الفترة الأخيرة، اضطرت الجهات المعنية (من مديرية التربية ومنظمات مجتمع مدني) في بلدات إدلب إلى فتح المدارس في مناطق مختلفة لاستقبال النازحين الجدد، وذلك بسبب امتلاء المخيّمات بشكل كامل وبقاء الناس في العراء أو في مخيّمات عشوائية تفتقر كلياً إلى الخدمات". يضيف حلاج أنّه "من خلال الحملات العسكرية الحاصلة، سيطرت قوات النظام على 190 مدرسة واستهدفت 250 مدرسة، علماً أنّ النسبة الكبرى كانت في محافظة إدلب مع 190 مدرسة".

سارة المهدي مدرّسة نزحت إلى مدينة الدانا القريبة من الحدود السورية التركية منذ نحو شهرَين، تخبر "العربي الجديد" أنّها اليوم "مسؤولة نادي القراءة في إطار برنامج حماية الطفل مع منظمة مناهل. ونحن ننظّم نشاطات أسبوعية متجددة لتحقيق أهداف عدّة، من أبرزها الدمج ما بين التلاميذ الوافدين وهؤلاء المقيمين، بالإضافة إلى خلق روح من التعاون والمحبة، وكذلك التعريف بحقوقهم والحثّ على أهميّة القواعد السلوكية والتأكيد على تطبيقها في المدرسة والبيت والمجتمع بشكل عام". وتوضح المهدي أنّه "بسبب عدم توفّر مأوى للنازحين، فإنّ قسماً كبيراً منهم اتّخذ من المدارس مسكناً فيما تبقّى عدد من المدارس للتلاميذ"، آملة أن "تتوفّر ملاجئ لهؤلاء النازحين حتى يتمكّن التلاميذ من العودة إلى مدارسهم من جديد". وتشير المهدي إلى أنّ "الدوام تعرّض للضغط في مدارس عديدة، فكان فوجين أو ثلاثة أفواج مع مراعاة شروط السلامة لأنّ الشمال السوري لم يعد آمناً. أمّا بالنسبة إلى التعليم في مدينة الدانا، فقد كان منتظماً واستطاع التلاميذ متابعة تعليمهم في الفصل الدراسي الأوّل، لكنّ الدوام المدرسي اليوم مرتبط بالوضع الأمني. كذلك فإنّ الهجوم على ريف حلب الغربي أدّى إلى تعليق الدوام، لكنّ التلاميذ يكملون اليوم دوامهم إنّما بعدد ساعات قليلة".



وتتابع المهدي أنّ "الحلقة الثانية من التلاميذ (ابتداءً من الصفّ الخامس) فهي غير مدعومة برواتب للمدرّسين الذين يعملون فيها متطوّعين، باستثناء بعض المدارس التابعة للمنظمات، الأمر الذي ينعكس سلباً على عمل المدرّس وعلى مدى نشاطه وحسن تعليمه". وتتساءل عن "الجدوى من التعليم في ظلّ انعدام الأمان"، متوقّعة أن "يتوقف التعليم في شمال سورية لأنّه في حال استمرّ سوف يكون متقطعاً ومن دون فائدة، علماً أنّ المدرّسين يحاولون الاستمرار على الرغم من الظروف".

أمّا خالد حمود، وهو مدرّس نازح من ريف إدلب الجنوبي ويقيم حالياً في ريف مدينة سلقين شمالي محافظة إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه يعمل اليوم "معلّماً أوّل (مشرفاً على مجموعة معلّمين) من ضمن برنامج القراءة العلاجية والحساب العلاجي في مدارس الجودي المنتشرة في مدن كثيرة من محافظة إدلب وعددها يزيد على 300 مدرسة"، موضحاً أنّ "هذا البرنامج يطبّق على تلاميذ الحلقة الأولى (المرحلة الابتدائية) بدعم من إحدى المنظمات. وهذا الدعم لا يشمل مدارس المرحلتَين الإعدادية والثانوية". يضيف حمود: "وفي حال أردنا أن نكون واقعيين، فإنّ لا صورة واضحة لمستقبل التعليم في محافظة إدلب، وأظنّ أنّ مديرية التربية لا تملك أيّ تصوّر لما سوف يجرى".



تجدر الإشارة إلى أنّه مع تزايد القصف في محافظة إدلب، أصدر مجمّع إدلب التربوي بتفويض من مدير التربية بياناً حدّد بموجبه الدوام في مدارس المجمّع، فيُستأنف الدوام في مدارس مدينة إدلب ومدارس شمالها وغربها كـ"دوام طوارئ"، أي ثلاث حصص مضغوطة، مع تعليق الدوام في مدارس جنوب إدلب وشرقها، فيما يُترك تقدير خطورة الوضع والإجراءات ذات الصلة لكلّ مدير مدرسة في المنطقة.