تصدع تحالف "هيئة تحرير الشام": خرجت الفصائل وبقيت النصرة

تصدع تحالف "هيئة تحرير الشام": خرجت الفصائل وبقيت النصرة

04 أكتوبر 2017
مقاتلون من النصرة جنوبي حلب، 2016(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد مؤشرات تداعي تحالف "هيئة تحرير الشام"، الذي ظهر إلى العلن في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، وجمع فريقين أساسيين: "جبهة فتح الشام"(الاسم الجديد للنصرة غداة المزاعم بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، وفصائل أقل من "فتح الشام" عدة وعتاداً وتأثيراً وتماسكاً تنظيمياً. وتتوالى علامات تآكل هذا التحالف، وإن بقي عنوانه، وهو الذي وُلِدَ أساساً في خضم سلسلة أحداثٍ عسكرية وسياسية تسارعت وتيرتها منذ ما بعد خسارة المعارضة السورية لمعركة شرقي حلب نهاية العام الماضي، إذ انعقد بعد ذلك أول مؤتمر في أستانة (23-24يناير/كانون الثاني 2017) وتضمن أحد مخرجاته تأكيد المشاركين على محاربة "داعش والنصرة"، ما دفع الأخيرة لفتح معارك مع فصائل خَشيتْ أن تبدأ قتالها، كجيش المجاهدين وصقور الشام وغيرها، فولد تحالف "الهيئة" في هذه الفترة التي شهدت استقطاباً للفصائل الصغيرة من قبل الفصيلين الأبرز في شمال غربي سورية، وهما: "جبهة فتح الشام" و"حركة أحرار الشام".


ومثّل إعلان تشكيل "هيئة تحرير الشام"، إنجازاً لـ"جبهة فتح الشام" التي يقودها أبو محمد الجولاني، إذ نجحت في استقطاب شخصياتٍ وفصائل وازنة ضمن معادلات الصراع شمال غربي سورية. انضم للتحالف الوليد، في حينه، "حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، ومجموعات من "جيش السنة"، و"جيش الأحرار" وفصائل أخرى، ما أفرز تحالفاً تُعتبر "فتح الشام" نواته الصلبة، في مقابل الفصائل والمجموعات الأخرى المنضوية بـ"الهيئة".

وكانت مؤشرات تداعي تحالف "الهيئة" قد بدأت منذ معركة الأيام الثلاثة ضد "حركة أحرار الشام"، وأفضت نتائجها في الواحد والعشرين من شهر يوليو/تموز الماضي إلى تقويض نفوذ "أحرار الشام" مقابل تعزيز "هيئة تحرير الشام" لقبضتها شمال غربي سورية. لم تؤيد جميع مكونات "الهيئة" هذه الحرب، ما أفرز تيارين داخلها، ما بين رافضٍ وموافقٍ لضرب "الأحرار"، وهو الخلاف الذي دفع بداية "حركة نور الدين زنكي" لإعلان انسحابها من "الهيئة"، وتلته سلسلة انسحاباتٍ لشخصياتٍ وفصائل أخرى.

وبرز يوم الأحد الماضي تطور لافت تمثل في إعلان "المجلس الشرعي العام" لـ"هيئة تحرير الشام" قبوله "استقالة الشيخ أبو جابر الشيخ من مسؤوليته كقائد عام للهيئة، وتكليف نائبه الشيخ أبو محمد الجولاني بتسيير أمور الهيئة في الوقت الراهن". وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة عودة "فتح الشام" للواجهة، بعد أن قادت هذا التحالف من الخلف.

بالتزامن اندلعت اشتباكات ليل الأحد – الاثنين بين عناصر من "الهيئة" وعناصر من كتائب "ابن تيمية" في بلدة دارة عزة غربي حلب، على خلفية إعلان هذه الكتائب التي كانت منضوية في "الهيئة" انشقاقها في بيانٍ صدر يوم الأحد. وعزت الكتائب قرارها إلى "التسريبات الصادرة عن قادة هيئة تحرير الشام والتي فيها استباحة لدماء المجاهدين واستخفاف بعلماء الساحة (...) واستقدام هيئة تحرير الشام للأرتال بين الحين والآخر لاعتقال عناصرنا وكان آخرها اعتقال المدير الإداري في كتائب ابن تيمية".

وسيطرت "هيئة تحرير الشام" عقب الاشتباكات على بلدة دارة عزة، بحسب ما أفاد نشطاء محليون لـ"العربي الجديد"، في حين اعتبر القيادي في "الهيئة"، إبراهيم أبو العبد، بأن الاقتتال الذي حصل سببه خلافات حدثت بعد "الترتيبات الإدارية داخل هيئة تحرير الشام في مدينة دارة عزة، وتم تجاهلها من قبل بعضهم في كتائب ابن تيمية"، قائلاً إن "بعض العناصر من بقايا "حركة حزم" المنضمين لكتائب "ابن تيمية" قد استغلوا هذا الاستدعاء لإثارة الفتنة، وقاموا بالاعتداء على حرس محكمة المدينة، وأطلقوا النار عليهم ما أدى إلى مقتل أحدهم ووقوع عدد من الجرحى".

وتأتي هذه التطورات مع تزايد الأزمات المتلاحقة التي تضرب "هيئة تحرير الشام" عموماً، و"جبهة فتح الشام" خصوصاً، من اغتيالاتٍ لقياديين فيها خلال الأسابيع القليلة الماضية، وانشقاقاتٍ لشخصياتٍ لها ثقلها داخل هذه التنظيمات، أبرزها قبل ثلاثة أسابيع، عندما أعلن عضو اللجنة الشرعية عبد الله المحيسني و"الشرعي البارز في الهيئة مصلح العلياني انشقاقهما عنها، بسبب ما اعتبراه "الفشل في تحقيق غايتهما من الوجود في الهيئة، وتجاوز الهيئة في القتال الأخير"، في إشارة إلى القتال الذي شهدته محافظة إدلب بين "هيئة تحرير الشام"، و"حركة أحرار الشام".

ويُعتقد بأن السبب المباشر لانشقاق الشخصيتين المؤثرتين ضمن أوساط وعناصر "الهيئة"، يعود إلى تسجيل صوتي انتشر على نطاق واسع في صفحاتٍ الإنترنت المراقبة لمجرى التطورات في سورية،  بين شخص اسمه "النايف"، ويعتقد أنه القائد العسكري للهيئة أبو محمد الجولاني، وبين "قائد قطاع إدلب" في "الهيئة"، المغيرة بن الوليد، المعروف باسم "أبو حمزة بنش"، وصفا فيه كلّاً من المحيسني والعلياني بـ"المرقعين"، وأن عملهما الشرعي مقتصر على "الترقيع" فقط. وطلب "أبو حمزة بنش"، خلال التسجيل، من الجولاني أن يتم السماح له باعتقال المحيسني بذريعة أنه سيحرض عناصر "الهيئة" على عدم قتال حركة "أحرار الشام". إلا أن الجولاني لم يوافق وقال إن "اعتقاله سيزيد الأمر تعقيداً".

وانتشر تسجيل آخر بالتزامن لحوار بين أبو حمزة بنش ذاته، و"أبو حسين الأردني" الذي يشغل منصب قائد الجيش المركزي في "هيئة تحرير الشام"، يكشف اتفاقهما على شنّ هجوم على "حركة أحرار الشام" بموافقة كاملة من الجولاني، مع تكرار "بنش" القول إنه ينوي اعتقال المحيسني بهدف منعه من التوسط لاحقاً لفرض هدنة مع "الأحرار".

وفي الرابع عشر من الشهر الماضي تعرضت الهيئة لنكسة إضافية، عندما أعلن فصيل "جيش الأحرار" الذي يُعتبر ثاني أكبر تشكيلاتها انشقاقه عنها على خلفية التسريبات الصوتية، وتزايد الخلافات داخل تياري "الهيئة" الأساسيين حول حرب "أحرار الشام". ومع توالي انشقاق قياديين تعصف بـ"الهيئة" قضية مسلسل الاغتيالات التي تطاول قياديين فيها، وآخرهم قبل أسبوعين، إذ قُتل "أبو ياسر الشام" وهو أحد مسؤولي الهيئة في مدينة حارم شمالي إدلب، بانفجار عبوة ناسفة بسيارته.

وجاء مقتله بعد أيام من اغتيال "شرعييَّن" اثنين في الهيئة على يد مجهولين، هما سراقة المكي (سعودي الجنسية)، وقبله أبو محمد الجزراوي، بإطلاق مجهولين النار عليه في مدينة سراقب. وسبق ذلك قبل أسابيع مقتل القاضي في دار القضاء التابعة للهيئة، أحمد منير وتي، وشرعي فيها يدعى عبد الخالق جربي في مدينة سلقين. وعلى الرغم من أن تحالف "هيئة تحرير الشام" آخذ بالتآكل، ورغم عدم ظهور مؤشرات لتهشم مماثل بنواة "جبهة فتحة الشام" الصلبة، فإن هذا التنظيم ينتظر أزمة جديدة قد تواجهه قريباً من الخارج، إذا ما تم الاتفاق بين الدول الثلاث الضامنة لاتفاقيات "أستانة" على بدء عملية عسكرية في محافظة إدلب، ستستهدفه بشكل أساسي.