تشكيل الحكومة التونسية: "النهضة" تحاول توسيع الحزام البرلماني

تشكيل الحكومة التونسية: "النهضة" تحاول توسيع الحزام البرلماني 

21 يوليو 2020
قد تتغير مواقف بعض النواب في اللحظات الأخيرة (Getty)
+ الخط -

انطلقت في تونس عملية حساب لتشكيل الحكومة التونسية التي ستخلف حكومة إلياس الفخفاخ، عددياً وسياسياً. فمع تشكيل كل حكومة جديدة، ومع كل قانون، أو لائحة تُعرض على البرلمان، تُمسك الأحزاب التونسية بآلاتها الحاسبة، للتأكد من أنها ستنجح في جمع الـ109 أصوات التي تمثل الأغلبية الضرورية لتمرير أي ملف.
وبسبب تشظي البرلمان، وعدم وجود أغلبية واضحة، وتوزعه على تسع كتل ومجموعة من غير المنتمين إلى أي منها، وبسبب تلون هذه الكتل، وعدم وضوح مواقفها السياسية والفكرية وتناقضها أحياناً، يبدو من الصعب دائماً تحديد التوجه المسبق للبرلمان، وما إذا كان سيصوت على أي مشروع يُعرض عليه أو سيسقطه.
وتتوزع الكتل في البرلمان التونسي على النحو الآتي: "حركة النهضة" 54 نائباً، و"الديمقراطية"، المكونة من "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، 38 نائباً، و"قلب تونس" 27 نائباً، و"ائتلاف الكرامة" 19 نائباً، و"الحزب الدستوري الحر" 16 نائباً، و"الإصلاح الوطني" 16 نائباً، و"الوطنية" 11 نائباً، و"تحيا تونس" 10 نواب، و"المستقبل" 9 نواب، بالإضافة إلى 17 نائباً من غير المنتمين إلى كتل.

تتصارع "النهضة" و"الديمقراطية" حول من يقود الأغلبية

 

وقد يكون هذا التوزيع العددي واضحاً، إلا أن التدقيق في مكونات الكتل السياسية معقد جداً، بسبب اشتقاق بعض الكتل من أخرى، ووجود نواب من عائلات سياسية واحدة موزعين بين عدد من الكتل، بالإضافة إلى مجموعات ضغط داخل الكتلة نفسها، ما يجعل الفرز السياسي الاستباقي عملية غير مضمونة، ولا يمكن توقع تصويت نائب على أي قرار مسبقاً. هذه المعطيات تجعل من عملية التصويت على الحكومة، التي ستخلف الفخفاخ، تخضع لمعطيات عديدة، قد تتغير حتى يوم التصويت، بسبب تبدل المواقف في اللحظات الأخيرة أو غياب بعض النواب، وهي مسألة حدثت مرات عديدة، وسببت سقوط مشاريع أو تأجيلها.

تقارير عربية
التحديثات الحية


وأمام الخلاف السياسي الكبير، والسبب الحقيقي الذي أسقط حكومة الفخفاخ، وليس تضارب المصالح، تتصارع "النهضة" مع "الكتلة الديمقراطية" حول من يقود الأغلبية الجديدة داخل البرلمان. وكشف رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "النهضة" نور الدين البحيري، عن وجود مشاورات لتكوين ائتلاف برلماني يضم نحو 130 نائباً لمساعدة رئيس الجمهورية قيس سعيّد، كما قال، على اختيار مرشح جديد لرئاسة الحكومة خلفاً للفخفاخ، في تأكيد واضح لمحاولة قيادة "النهضة" التوصل مبكراً إلى تشكيل أغلبية برلمانية مريحة تحت قبة المجلس تدعم المرشح الجديد. وقال البحيري، في مقابلة مع قناة "الزيتونة" المحلية، إن المشاورات تضم الكتل النيابية لـ"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" وكتلة "المستقبل" ونواباً مستقلين.

تتمسك "النهضة" بمطلبها تشكيل حكومة وحدة وطنية

لكن ما لم يقله البحيري، وكشفته مصادر من "النهضة"، لـ"العربي الجديد"، أن هذا التكتل الجديد يمكن أن يتوسع إذا نجحت مساعي إقناع نواب من الكتلة "الوطنية" وحتى من "الإصلاح"، وآخرين من غير المنتمين إلى كتل، ما سيؤدي إلى تجاوز عدد الـ130 نائباً، وهي أغلبية جديدة يمكنها المصادقة على الحكومة من ناحية، وإسقاط لائحة اللوم ضد رئيس البرلمان راشد الغنوشي من ناحية أخرى، مع العلم أنه صُوِّت على حكومة الفخفاخ بـ129 صوتاً فقط.
وتأتي إشارة البحيري إلى "ائتلاف برلماني لمساعدة الرئيس" في شكل رسالة مباشرة من "النهضة" إلى سعيّد، بأن هناك أغلبية جديدة لا بد أن تؤخذ بالاعتبار في اختيار المرشح الجديد، إذا كان يبحث عن حكومة تملك الحد الأدنى من مقومات الاستقرار. ولكنها تصريحات جاءت كردّ مباشر على تصريح لرئيس الكتلة "الديمقراطية" البرلمانية هشام العجبوني، قال فيها إن من مصلحة البلاد أن تكون حركة "النهضة" في المعارضة خلال الفترة المقبلة. ويدرك العجبوني أن مقترحه بعيد جداً عن الواقعية السياسية، إذ كيف يمكن أي رئيس حكومة أن يدير البلاد من دون الحزب الأغلبي في البرلمان، ويشكل قاعدة أغلب اللجان فيه، ويرأس أغلب البلديات.
ولذلك أسقط "التيار الديمقراطي" فجأة حق النقض الذي رفعه بوجه "قلب تونس"، وهو موقف سيكون له بالتأكيد كلفة سياسية، في محاولة صعبة لاستدراج "قلب تونس" من الجبهة الجديدة وسحب البساط من تحت "النهضة". القيادات النهضوية، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أكدت أنها لن تتراجع عن مطلبها تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحداً، إلا من أقصى نفسه، وهو ما يعني أنه سيكون على "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" أن يلتحقا بهذا الائتلاف الجديد أو يختارا الانضمام إلى المعارضة التي تقودها اليوم وحدها رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، بما يعنيه ذلك من تحول سريع في المسار السياسي من الحكم إلى المعارضة، وخوض تنافس جديد مع موسي.
يلاحظ أن الأوراق الحقيقية والقوية تبقى بيد سعيّد، فهو الذي سيحدد إيقاع التشكيل الحكومي ولونه السياسي ومستقبله أيضاً، لأنه يملك وحده حرية اختيار الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة. وتؤكد تجربتا الحبيب الجملي وإلياس الفخفاخ أن رئيس الحكومة ليس بالضرورة تابعاً للأغلبية ولا خاضعاً لها، فقد جاءت "النهضة" بالجملي ودعمته، وبرغم ذلك انقلب عليها وذهب إلى تشكيل حكومي سقط في البرلمان. واستبسل الفخفاخ من بعده في رفض توسيع الحكومة، وحاول جاهداً أن يحد من حجم "النهضة"، مؤكداً عدة مرات أنها مجرد مكون من المكونات الحكومية. وهو حاول توسيع نفوذه السياسي، مستفيداً من تجربة سلفه يوسف الشاهد، برغم أن حزبه لا يملك أي وجود في البرلمان ولا شعبية له.
ولكن هل تستطيع "النهضة" فعلاً إقناع سعيّد بمرشحها مع بقية الجبهة الجديدة؟ وهل يقبل سعيّد بأن يستحوذ الائتلاف الجديد على البرلمان والحكومة، بما يعنيه ذلك من تحجيم دوره، وربما عزله سياسياً، في ظل تنافر وتنافس ميّزا العلاقات بينهما طوال الأشهر الماضية؟ تحتاج حركة "النهضة" فعلاً إلى أن تبعث برسائل طمأنة إلى سعيّد وتلطيف الأجواء المتوترة وبناء علاقة جديدة معه، لأنها لا يمكن أن تصارع على كل الجبهات في الوقت ذاته، وقد تحتاج إلى خطاب سياسي جديد يحاول أن يجمع أغلب الشركاء لمواجهة الظروف المحلية الصعبة، ويقلص من حجم الخلافات مع "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" خصوصاً، لأن المهم ليس تشكيل حكومة، بل توفير ظروف نجاح لها، وهو ما لا يتوافر إلا بتوسيع قاعدة الدعم السياسي والشعبي.

تحليلات
التحديثات الحية