ترشّح النابلي يكشف عن صراع القوى بحركة "نداء تونس"

19 سبتمبر 2014
يلقى النابلي دعم رجل الأعمال المعروف كمال لطيف(وكالة الأناضول)
+ الخط -
كان يمكن أن يكون ترشّح محافظ البنك المركزي السابق، مصطفى كمال النابلي، للرئاسة في تونس أمراً عادياً، في إطار اعلان عشرات الشخصيات، من أبناء الثورة أو المستقلين أو رموز النظام السابق، نيّة ترشّحهم للانتخابات. لكنّ إعلان عدد من قياديّي حركة "نداء تونس"، مساندتهم هذا الترشيح، على الرغم من اعلان زعيمهم ترشّحه رسمياً منذ أيام، ألقى بظلاله على أزمة كبيرة تشهدها هذه الحركة منذ فترة، وعمّق حالة الانقسام الشديدة، التي تعيشها، كما عكس صراع القوى المتنازعة في صفوفها، بشكل لم يعد خافياً على أحد، ولا قابلاً لتبريره بالادعاء بأنه "حالة اختلاف ديمقراطي داخل الحركة".

وسارعت حركة "نداء تونس" إلى اعلانها رسمياً وقف نشاط نور الدين بن تيشة الحزبي، نتيجة دعمه ترشّح النابلي، على الرغم من أنّه أحد أبرز المدافعين عن الحركة، وعن زعيمها، الباجي قايد السبسي. ولم يتوقّف الأمر عند بن تيشة، الذي لم يعلن بداية ً دعمه الصريح للنابلي، ثمّ جسّده يوم الثلاثاء الماضي أمام كاميرات الصحافيين، بل تجاوزه إلى الطاهر بن حسين، الذي أعلن، من جهته، مساندته رسمياً النابلي في الانتخابات الرئاسيّة. وذهب بن حسين، في حديث إذاعي، الى وصف الأخير بالقول: "فيه المواصفات الكاملة للرئيس المقبل، ويتمتّع بالاستقلاليّة، وأثبت أن لديه فكراً نقدياً وطنياً، فضلاً عن كفاءته المشهود له بها، محلياً وعالمياً".
وقال إنه كان "يفضّل أن يظل رئيسُ حزب (نداء تونس)، الباجي قائد السبسي، الأب الروحي، الذي يجمع ويحكم بين كل الأطراف في الحزب، مثل رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، الذي لا يطلب شيئاً لنفسه"، مؤكداً أن "حركة النهضة نجحت نسبياً لأن لها الحَكَم والمرجع الفكري والأدبي"، وفق تعبيره. ونفى بن حسين، في الحديث ذاته، انتماءه إلى ما يسمى بجماعة "كمال لطيف"، مشيراً إلى أنه هاجمه في الأشهر الأخيرة، وطالبه برفع يده عن حزب "نداء تونس" لأن "دوره السياسي انتهى".

وفي سياق متصل، تؤكّد معلومات من مصادر عدّة، أن رجل الأعمال المعروف زمن بن علي، كمال لطيف، هو من يقف وراء ترشّح النابلي للانتخابات الرئاسيّة، وهو ما أكّده القيادي في "نداء تونس"، المنذر بالحاج علي، بإشارته إلى أن لوبي كمال لطيف الداعم النابلي يريد استهداف الباجي قائد السبسي، لافتاً إلى محاولة "لتشتيت الأصوات بتقديم أكثر من مرشح للرئاسة". وقال: "لا يهمّنا ترشّح كمال النابلي من عدمه، لكننا نرفض استهدافنا من قبل من يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين خائفين من تغول حركة النهضة".

من جهته، أكد بن تيشة أن 70 في المائة من المكتب التنفيذي لـ "نداء تونس"، بمن فيهم رئيس الحزب، الباجي قايد السبسي، تربطهم علاقات برجل الأعمال، كمال لطيف، معلّقاً على تصريحات القيادي في حزبه، خميس قسيلة، الذي وصفه بـ"المندس"، بأنّها "قلّة حياء". وأعرب عن أسفه قرار طرده لأنه كان من "المساهمين الأوائل" في تأسيس حركة "نداء تونس" وفي التعبئة لها.

وكان قسيلة، القيادي البارز في حركة "نداء تونس" ومرشّحها للانتخابات التشريعيّة في محافظة نابل، قد ألقى قنبلة من العيار الثقيل بإشارته إلى أنّ الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، يعمل ليلاً نهاراً عبر "سكايب" لتجنيد مجموعة تحاول العودة إلى الساحة السياسيّة، لافتاً إلى أنّ "جهاز ربع الساعة الأخير بدأ يتجمّع، وعائلات ومصالح عدد من بقايا نظامه القديم عادت إلى العمل بتسيير منه". واعتبر أنّ الاستقبال، الذي حظي به منذر الزنايدي، الوزير في عهد بن علي، يثبت صحّة روايته. وعاد الزنايدي إلى تونس من باريس، التي هرب إليها منذ اندلاع الثورة، بعد أن برّأته المحكمة من التهم المنسوبة إليه، وكان في استقباله جمع من أنصاره.

وقدّم النابلي، يوم الاربعاء الماضي، ترشّحه رسمياً للانتخابات الرئاسية، وأرفق ترشحه بشهادة طبية، في إشارة واضحة إلى موقفه من الجدال الدائر حول "الأهلية الصحية للسبسي"، التي تسببت في ايقاف القيادي في حركة "نداء تونس"، عمر صحابو، عن نشاطه الحزبي، إثر رسالة تشكّك في السلامة الصحيّة لزعيمها.

ويلقى النابلي مساندة رئيس الهيئة العليا السابقة للانتخابات، كمال الجندوبي، الذي أعلن دعمه ترشّحه، وأكد دعم كمال لطيف له في الانتخابات الرئاسية. وقال إن النابلي سيعتمد على "لوبيات" كمال لطيف، كغيره من الأطراف والأحزاب، التي تستند إلى "لوبيات" في حملاتها الانتخابية في تونس والخارج، معتبراً أن "الأمر منطقي وموجود في سياق العمل السياسي، ما دام يجري في إطار المصداقية والشفافية"، على حدّ تعبيره.

في موازاة ذلك، وجد السبسي في أزمة حزبه العاصفة "صديقاً قديماً"، ذا أهمية بالغة مدّ إليه عصا نجاة ممكنة في لحظة حرجة، وهو زعيم "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، الذي وجه إليه، في برنامج تلفزيوني مساء الأربعاء، رسالة مباشرة تدعوه إلى الالتقاء من جديد حول مشروع توافقي للمرحلة المقبلة، يجمع أبرز القوى السياسية في تونس، وفق تعبير الغنوشي نفسه، باعتبار أنّ "تونس ما زالت في حاجة إلى إدارة بالتوافق". ودعاه كذلك إلى عدم الإنصات إلى القوى اليساريّة المتطرّفة والقوى التي تدعو إلى التفرقة والإقصاء وتقسيم التونسيين.
وشدّد الغنوشي على أنّ "شرط القدرة الذهنية والصحية والنفسية والأخلاقية يجب أن يتوفر في جميع المرشحين لتولي هذا المنصب، بمن فيهم السبسي، لتفادي تجربة سابقة للزعيم، الحبيب بورقيبة"، الذي كان يحكم "بنصف ذاكرة"، على حدّ تعبيره. ولفت إلى أنّ "النهضة" رفضت تحديد سنّ المرشح في الانتخابات التأسيسية لأنه كان يستهدف السبسي أساساً، موكداً أن حركته ترفض الإقصاء.

في المحصّلة، يخلط ترشّح النابلي، ودعمه من قبل عدد من رموز حركة "نداء تونس"، أوراق هذه الحركة مرة أخرى، وربّما يشهد التحاق أسماء أخرى بحملته الانتخابيّة، خصوصاً أنّ تسريبات منذ أشهر أفادت بأنّ السبسي، لن يترشح للرئاسة وسيترك مكانه للنابلي، بوصفه ابناً شرعياً له، وسط دعم شخصيات كثيرة من الحركة هذه الفكرة، وهو ما ينبئ بمزيد من الانقسام الشديد، عشيّة الانتخابات المرتقبة.

المساهمون