ترامب ليس المهدي

20 نوفمبر 2016
+ الخط -
استطاع دونالد ترامب من خلال الخطاب الشعبوي أن يؤثر على الشارع الأميركي عبر إحداث شرخ واضح بين الجمهوريين والديمقراطيين. وبغض النظر عمّا جاء ببرنامجه الانتخابي من العداء والكراهية للإسلاميين وتهديده المهاجرين، فإنّ تصريحاته هذه سقطت مع أوّل تصريح له عقب إعلام النتائج، فقد كان خطابه خطاب مصالحة وجمعياً لكلّ الأميركيين.
من هنا يمكن ملاحظة أنّ الحملات الانتخابية هي حملات استقطاب لا أكثر، فالرئيس الأميركي، بارك أوباما، من استلم سدة الرئاسة في 2008 وحتى نهاية حكمه لم يحقّق من برنامجه الانتخابي، إلا سياسية النأي بالنفس عن جميع كوارث العالم، وخُلق في عهده الإرهاب، وتزعزعت أركان أميركا دولة عظمى، وتمادت عليها دول لا تضاهي أميركا بمركزها الإقليمي (روسيا، إيران).
هناك من بنى كلّ أحلامه على قدوم رئيس بعكس التيار لتغيير واقع ملتهب، وصل إلى أوج أزماته، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن أميركا ذاتها، كونها دولة مؤسسات، وليست دولة تدعم فكرة الحاكم الشمولي، بل نحن بصدد الحديث عن دول الشرق الأوسط، ممن عوّلوا كثيراً على نهاية مآسيهم، مع قدوم رجل واضح وصريح ومتأزم أصلاً من سياسية أوباما، وأخص بالذكر بعض النخب السياسية السورية التي تنتظر توّجهات الرئيس المنتخب ترامب، وتعوّل على أن تتناسب توجهاته مع مطالب الثورة السورية، متناسين، نوعاً ما، أنّ ترامب توّعد بنهاية "داعش" من دون ذكر الأسد، والذي قال عنه لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، سواء بقي أو رحل، وتوّعد بتحسين العلاقة مع روسيا من خلال إزالة العقوبات عليها، وهي من تستلم زمام الأمور في سورية بالنيابة عن بشار الأسد.
لا ندري من أين أتت الثقة الكاملة للائتلاف والهيئة العليا للتفاوض باستجابة الرئيس ترامب لهم، وتحقيق ما لم يحقّقه لهم أوباما من إعطاء سلاح نوعي للفصائل العسكرية، فهم ربّما يعوّلون على تدخل عسكري مباشر ينهي حكم الأسد في دمشق في أسرع وقت ممكن، وبذلك تحصر كلّ النخب السياسية السورية آمالها وتعقدها على شخصية ترامب الانفعالية، من دون أن تأخذ بالاعتبار أنّ السياسة الأميركية مبنية على سياسة مؤسسات ترسم سياسيتها غرف صنّاع القرار بما يخدم الصالح الأميركي والحفاظ على أمن اسرائيل، إذ يتحتّم على أيّ رئيسٍ يدخل البيت الأبيض أن يتعهّد بالمسير على هذا النهج مع إعطائه مساحة ضيقة من الصلاحيات يتحكّم بها، قد تخدمه في إرثه الشخصي من دون إلحاق ضرر بالأمن القومي الأميركي.
زادت الطموحات أيضاً، عبر المطالبة بتحجيم الدور الإيراني والروسي والمطالبة بخروج جميع المليشيات من سورية والعراق ووضع حدّ لولاية الفقيه... كلّ هذه المطالب على ترامب أن يحقّقها من دون النظر إلى العيوب الداخلية لكلّ مكونات النخب السياسية، ناهيك عن التشرذم للجناح العسكري والاقتتال المناطقي بين الفصائل، فبدل أن يكون التوّجه إلى الداخل لإصلاح ما أفسدته أجهزة المخابرات الخارجية والمحلية وتشكيل خطاب توعوي جماهيري عام يشكل ثورة على الثورة وإصلاح ما أفسده العطار، نضع أنفسنا في قطار الانتظار، ريثما يخرج المخلّص، وينهي ما لم نستطيع نحن فعله، بسبب تفرّقنا ومشكلاتنا التي لا تنتهي، فنرمي جميع مشكلاتنا على واشنطن، وننسى أنّنا نحن من رهن أمرنا للخارج.
لا شك أنّ الرئيس ترامب سيصلح ما أفسده أوباما لإعادة الهيبة الأميركية. ولكن، ربّما يكون هذا الإصلاح على حساب تشرذمنا أكثر، وغرقنا أكثر في رمال متحرّكة، قد لا نخرج منها إلا لعقود. لذا، علينا أن نراهن على صناعة التغيير في أنفسنا، فترامب ليس المهدي المنتظر.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)