تراجع السياحة الإيرانية لتركيا يكبد البلدين خسائر فادحة

06 اغسطس 2016
سياح قادمون إلى مدينة أنطاليا التركية (الأناضول)
+ الخط -


تواصلت تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا على قطاع السياحة تحديداً، حيث شهدت أعداد السياح الإيرانيين تراجعاً كبيراً الفترة الأخيرة، وكانت طهران قد حظرت تنظيم الرحلات الجماعية إلى أنقرة، في موسم كان يعد الأكثر كثافة وإقبالاً من الإيرانيين على السفر إلى تركيا.

وأصابت شظايا الأزمة كلا الجانبين ففي الوقت الذي خسرت فيه أنقرة أعداداً كبيرة من السياح الإيرانيين، تكبّدت أيضاً وكالات ومكاتب السياحة والسفر الإيرانية خسائر فادحة بعد أن اضطرت لإلغاء رحلات أعدت برامجها مسبقا، كما أن البدائل المتوفرة، سواء الأسواق الروسية أو الأوروبية، فتكلفتها عالية مقارنة بتركيا.
وقد نقل موقع إيلنا عن نائب رئيس الهيئة الإدارية لمكاتب السياحة والسفر الإيرانية، حرمت الله رفيعي، مؤخراً، قوله إن عدد المسافرين الإيرانيين إلى تركيا تراجع وبشكل كبير خلال هذه المدة الوجيزة، حيث تم إلغاء الرحلات السياحية الجماعية، وآخرون لا يرغبون في الذهاب فرادى بسبب الوضع الأمني، مشيراً إلى أنه خلال أعوام ماضية كان عدد الطائرات التي تتجه من المطارات الإيرانية إلى تلك التركية خلال اليوم الواحد تترواح بين 20 إلى 40 طائرة، متوقعا أن تكون خسائر الجانب الإيراني غير المعلن عن تفاصيلها حتى الآن بالملايين.

وفي هذا الإطار، ترى المديرة العامة لمنظمة سياحة فلامينغو ورئيسة اللجنة المشتركة للسياحة والتسويق في إيران، رقية حاتمي بور، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن أبرز العوامل التي تؤثر على القطاع السياحي في أي بلد، وليس فقط في تركيا، هو الملف الأمني، مما يجعل الإيرانيين متخوفين من السفر إلى تركيا في الوقت الراهن.
وأضافت حاتمي بور أن تأثر السياحة إلى تركيا سلبا جعل الإيرانيين يبحثون عن بدائل، مؤكدة ارتفاع عدد طلبات الراغبين في الذهاب إلى دول الاتحاد الأوروبي وإلى روسيا.




ويبدو أن السلطات في إيران تحاول البحث عن بديل سياحي في روسيا، وقد لوحظ انتشار إعلانات المكاتب السياحية التي بدأت بتنظيم رحلات بأسعار متوسطة إلى موسكو، التي تحسنت علاقاتها مع طهران على كافة الصعد خلال الأشهر الأخيرة، حسب حاتمي بور، التي ترى أنه رغم كل هذا، لا يمكن لروسيا أن تشكل بديلاً عن تركيا بالنسبة للسياح الإيرانيين، فالسياحة في بلد كروسيا فصلية، كون الجو البارد هناك يجعل الإيرانيين يرغبون في الذهاب إليها خلال أشهر معدودة دافئة.

ومن ناحية ثانية، وفقاً لحاتمي بور، لا يمكن مقارنة الخدمات السياحية المقدمة في روسيا بتلك التركية حسب رأيها، فنظام التعامل في الفنادق والوجبات التي تقدم في الرحلات الجماعية للإيرانيين في تركيا، والتي تعد ضمن ذات التسعيرة، مهمة للسائح الإيراني، بالإضافة إلى وجود تسهيلات كبيرة من قبيل الإعفاء من التأشيرات وهو ما لم يطبق بين إيران وروسيا بعد.
وقالت إن هجوم المكاتب السياحية على التسويق للسياحة إلى روسيا يعود لعدم وجود وجهة بديلة حتى الآن، كما أنهم يحاولون الاستفادة من تحسن العلاقات السياسية بين طهران وموسكو.

وتعتبر أن السياح الذين سيستبدلون تركيا بروسيا هم من محبي زيارة الأماكن التاريخية، بينما من يختار تركيا دائما يذهب إليها لكثرة أماكنها السياحية التي تناسب الإيرانيين، بالإضافة لخدمات التسوق فهناك عدد كبير منهم يذهب لإحضار البضائع وللسياحة بذات الوقت.
وتؤكد حاتمي بور، أن تركيا متأثرة بالوضع الإقليمي بشكل دائم، ما سيجعل الأمور سلبية خلال الفترة القادمة في ما يتعلق بالقطاع السياحي.

ويتفق الخبير بالشأن الاقتصادي الإيراني، شريف خسروي، مع وجهة نظر حاتمي بور، وقال لـ"العربي الجديد"، إن السياحة تتأثر بالوضع السياسي وبتحولاته دائما، متوقعا أن ما يحدث في تركيا سيكون له تبعات سلبية أخرى مستقبلا كذلك على السياحة بين البلدين.
وأضاف خسروي أنه بحال كانت تركيا أو حتى روسيا هي وجهة السياح الإيرانيين، فعلى الحكومة الإيرانية أن تفكر بطريقة أكثر إيجابية وأكثر عملية لكي يعود الأمر عليها وعلى البلاد بالنفع، فعندما ترتفع نسب السياحة لبلد ما يجب أن يكون هناك شيء بالمقابل.

واعتبر كذلك أن السياح الإيرانيين لن يفضلوا روسيا بسبب التكلفة العالية، مضيفا أن الوضع في تركيا تراجع بالفعل، ليس بسبب محاولة الانقلاب العسكري فقط، وإنما بسبب تهديدات أمنية أخرى كالتفجيرات الانتحارية التي وقعت في نقاط مختلفة في هذا البلد خلال الأشهر الماضية، قائلا إن عودة السياحة إلى حالها تعتمد على سرعة إجراءات الحكومة التركية وقدرتها على إعادة الأمور للوضع الطبيعي.
وقد نقلت مواقع إيرانية في وقت سابق أن عدد سياح البلاد إلى تركيا ارتفع كثيرا مع بدايات العام 2014، أي بعد تعليق فرض عقوبات جديدة على إيران، بموجب اتفاق جنيف النووي المؤقت، وذكرت أن معدلات السياح ارتفعت في تلك الفترة بمعدل 50% مقارنة بالفترة ذاتها من الأعوام السابقة.

وارتفع حتى منتصف عام 2015، معدل عدد السياح الإيرانيين الذين يزورون تركيا بمقدار 44% كذلك، ويبلغ المعدل المتوسط لتكلفة الفرد الواحد، الذي يزور تركيا ضمن رحلات جماعية تنظمها مكاتب السياحة والسفر، 800 دولار تقريبا، في رحلة ستستمر لأسبوع، وهو ما يعني أرباحا كبيرة تعود على هذه المكاتب وعلى القطاع السياحي التركي في آن واحد، حسب إحصائيات حديثة. وتقدر العائدات خلال ستة أشهر بمليار و350 مليون دولار، وهذا وفق ما نشرت مواقع رسمية إيرانية شهر مارس/آذار الماضي، حيث كان يقدر عدد المسافرين الإيرانيين إلى تركيا بخمسة آلاف شخص يوميا، وهو الرقم الذي انخفض في الوقت الراهن كثيرا حسب وجهة نظر المراقبين.

يذكر أنه بعد أن وقعت المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة في تركيا، أوقفت طهران كافة رحلاتها الجوية إلى هذا البلد، وهو ما تسبب ببقاء آلاف العالقين من الإيرانيين في المطارات والمدن التركية ليومين تقريبا، لكن استئناف الرحلات لاحقا لم يعد الأمور إلى حالها، فكانت الطائرات تصل إلى المطارات الإيرانية ممتلئة وتغادرها إلى وجهتها التركية وهي شبه فارغة، وهذا هو حال الحافلات التي تعبر الحدود المشتركة بين البلدين برا، حسب محللين.

ولعل السبب الأبرز يتعلق بقرار رسمي حكومي أصدرته السلطات في إيران، والذي يمنع تنظيم أية رحلات سياحية جماعية إلى تركيا، مما أدى لحالة من الركود ما زالت مستمرة حتى الوقت الراهن، في وقت كانت تشكل فيه تركيا الوجهة الأولى للسياح الإيرانيين، كونها الأقرب جغرافيا والأقل تكلفة والأسهل من حيث عدم حاجة السياح من إيران لتأشيرات لدخول هذا البلد.
ورغم كل الترحيب الرسمي التركي بالموقف الإيراني الداعم لحكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان، والذي برز منذ ساعات الانقلاب الأولى، إلا أن منع الرحلات للمجموعات أقلق الجانب التركي، هذا ما برز في تصريحات جاءت على لسان السفير التركي في طهران، هاكان تكين، الذي دعا السلطات الإيرانية لإلغاء هذا الحظر، النابع أساساً من التخوف من تبعات المحاولة الانقلابية والوضع الأمني الذي تدهور خلال الأشهر الأخيرة.



المساهمون