تحيا المقاومة

تحيا المقاومة

22 يوليو 2014

مسيرة تضامن مع غزة في أوكلاند بنيوزيلندا (يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

ما أبشع المشاهد المؤلمة لأطفال غزة، يستهدفهم عدو جبان على رمال شاطئ، اعتادوا اللعب عليه، وفي قلب بيوتهم، نائمين في أسرتهم، أو جالسين على مائدة إفطار. ولكن، ما أقبح من يرجم المقاومة بالشتم واللوم والتحقير، ليقتل الشهداء مرتين ومرات وألف مرة.

ثقافة إفلاس واستسلام وخنوع، تخاف صمود الشعب الفلسطيني، لأنه يعرّي عجزها، وثقافة ترهيب قادتها الأنظمة، حتى أصبح هناك رعب من المقاومة نفسها، لأنه يتم اختزالها في داعش ودواعش، فيصيبنا عمى قبول الصهيوني والاستكانة له، ظنا منا أن ذلك سيحمينا من وحشية عنف طائفي العنوان، سياسي الجوهر.

من الصعب تصديق أن عملية "تطهير" موصل العراق من المسيحيين تتم بالمصادفة، وفي أيام توحش جيش الاحتلال في غزة فلسطين. هناك من قرر أن هناك حرباً ضد الإرهاب يكون الكيان الصهيوني فيها حليفاً، في معادلةٍ لا مساحة فيها لمقاومة فلسطينية، وإذا ثار الشعب الفلسطيني، وجب وصم مقاومته بالإرهاب، تسهيلا لبطش دموي وضمان صمت عربي.

لذا، نجد تسابقاً للوم الضحية ووضع اللائمة على حركة حماس، وكأنها التي تحاصر تل أبيب، وتستعمل كل أسلحتها الفتاكة، لقتل أطفال الإسرائيليين، بل كأنها ارتكبت مجازر الشاطئ والشجاعية، وقصفت المستشفيات، وقتلت عائلات بأكملها.

أصبح حكامٌ، ومنهم مسؤولون فلسطينيون يرددون كالببغاوات اتهامات الإدارة الأميركية وافتراءاتها. واشنطن تريد حماية إسرائيل من جرائمها، وهم يريدون إثبات تمسكهم والتزامهم بعملية "سلام". هي حرب مخفية وأصبحت علنية، بعد أن دوختهم سلطةٌ، ليس فيها من سلطة غير منع المحتجين من الوصول إلى حواجز الاحتلال الإسرائيلية.

فالتنسيق الأمني هو "المقدّس"، وتحت بساطيره تدعس كل مقدسات القضية، من دون احترام لشهيدٍ، أو رفيق سلاح. فيا سادة، إن كنتم لا تستطيعون إلغاءه، فعلى الأقل اعفونا من كلامكم واصمتوا، ولو لذكرى أحباء لكم سقطوا على أرض معركةٍ، أو برصاصة غدر وخيانة، أو لعيون طفلةٍ فلسطينيةٍ، تفجرت عيونها دماً أمام عيونكم.

وكله لعيون مبادرة مصريةٍ، هي أصلاً ليست مصرية. كلماتها وشروطها لا علاقة لها بمصر ومصرييها؛ تساوي بين الجلاد والضحية، وتتحدث عن أعمال عدائية بين "طرفين"، وكأن صواريخ حماس والجهاد توازي، في قدرتها، ترسانة صورايخ أنفقت من أجلها الملايين في المصانع الأميركية، وتحتاج باستمرار إلى مختبرات الأجساد البشرية.

صحيح أن معظم نصوص وشروط المبادرة "المصرية" نفسها الشروط التي قدمتها مصر في عهد محمد مرسي، وصحيح أن الفصائل قبلتها في حينها. لكن، هل يبرر ذلك قبولها مرة أخرى؟ هل سيستمر أهل غزة رهينة حصار تتحكم به اتفاقات "وقف إطلاق نار" تشرع الحصار، وليس فيها حتى بداية، أو أفق، لإنهاء الاحتلال؟

نعم، هناك نقد حقيقي لحركة حماس، وأسئلة كثيرة بشأن سياستها، وليس مسموحاً لها أو لغيرها بخوض معركة تحسين مواقع، أو تسجيل نقاط. لكن، لا نستطيع إنكار استعدادها، ونجاحها في اختراق خطوط العدو، في زمن الضعف والخشوع لآلة الاحتلال العسكرية؟

هي المقاومة، لا غيرها التي تصنع انتصارات الشعوب، المقاومة لا تقاس بالسلاح فحسب، بل هي في زرع الفكر المقاوم، وفي إيماننا بقدرتنا، وهي في التذكير أن المعركة هي معركة إرادات، فكسر الإرادة هو بداية الهزيمة، فلا لكسر الإرادة فينا.

لست في مكان يسمح لي بالمزاودة على أهل الداخل الفلسطيني، أو إلى أن أدعو إلى انتفاضة ثالثة، فهم يدفعون الثمن بحياتهم وبدم أطفالهم، لكن مقاومتهم تحيينا وتقوينا؛ فلن يرحل المحتل إلا إذا دفع ثمن احتلاله. أهل فلسطين يزرعون النفس المقاوم فينا، فلنقاوم، على الأقل، فكر الهزيمة.