ورأى المشاركون، خلال الندوة، أن غياب الدور العربي في التأثير على السياسات الإسرائيلية في ظل حالة الصراع في المنطقة وتحول بعض الدول العربية الفاعلة إلى ما وصفوه بـ"النقاط الرخوة" نتيجة أزماتها الداخلية، انعكس سلباً على حضور القضية الفلسطينية عربياً وتسابق دول عربية فاعلة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ودعم المشاريع الأميركية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها صفقة القرن.
وأشار المتحدثون في الندوة إلى تحول النظام السياسي الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف نتيجة المتغيرات داخلياً وخارجياً، داعين إلى ضرورة رصد التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها إسرائيل، خاصة في العقدين الأخيرين لبناء رؤية استراتيجية عربية على الصعيدين الرسمي والشعبي لمواجهة المشروع الصهيوني في ظل هذه التحولات، معتبرين أن فلسطين والأردن من أكثر الأطراف المتأثرة بهذه التحولات الإسرائيلية والتي تشكّل خطراً حقيقياً عليهما.
وأوصى المشاركون بضرورة الاستمرار بالتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعدم التفريط بها، وضرورة استخدام كافة الوسائل المشروعة من قبل الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وإعادة بناء منظومة الأمن القومي العربي بما يخدم القضية الفلسطينية، وبناء دولة المواطنة، وتحقيق استقلالية الاقتصاد الفلسطيني عن إسرائيل.
وأكد رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني وعضو الكنيست السابق محمد بركة، خلال الجلسة الافتتاحية، عدم وجود تحولات جدية في الممارسة السياسية لإسرائيل، لا سيما في ظل نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وما أفرزته من وضع معقد على حد وصفه، وتسارع الحديث عن إعلان صفقة القرن وسط حالة من الانقسام والضعف العربي والفلسطيني، وما تمثله صفقة القرن من تهديد للحقوق الوطنية الفلسطينية وتهديد الأمن القومي للأردن، معتبراً أنه لا توجد إسقاطات للأداء السياسي العربي والفلسطيني على الحراك السياسي الإسرائيلي.
وتحدث بركة عن خطورة قانون القومية، الذي أقرّته إسرائيل باعتبار أنها وطن قومي لليهود وحصر حق تقرير المصير لهم، مؤكداً أن عرب الداخل الفلسطيني وضعوا عدة إجراءات لمواجهة هذا القانون الذي يهدد وجودهم، وضرورة وضع مشروع عمل عربي لفضح هذا القانون العنصري، كما أكد وجود آفاق كبيرة لنضال فلسطيني مثمر على أن يتم إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وما يشكله من خدمة للحركة الصهيونية.
وحول أثر عرب الداخل في التحولات، قال محمد بركة لـ"العربي الجديد" لا شك أن المجتمع العربي في الداخل هو جزء من الشعب الفلسطيني وفي ذات الوقت جزء من الحالة السياسية في إسرائيل، بمفهوم أن القوة الاقتصادية والقوة السياسية للمجتمع العربي لها انعكاسات وارتدادات على الخارطة السياسية والاقتصادية.
وأضاف بركة أنه رغم عدم الإقرار بشرعية التمثيل العربي، إلا أن من شأن هذا التمثيل أن يشكل معادلات مختلفة على الساحة السياسية، مضيفاً "أما في الجانب الاقتصادي فإسرائيل تحرص على أن يبقى العرب في الداخل بوضع متدنٍ اقتصادياً، من أجل أن تبقى قوة عمل رخيصة".
فيما تحدث الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس، عبد الله كنعان، في كلمته، عن ضرورة فهم التحولات الإسرائيلية المتسارعة لما لها من تأثير على المنطقة بشكل عام والأردن وفلسطين خاصة، مشيراً إلى أن الواقع السياسي داخل إسرائيل تغلب عليه التطورات المتسارعة وتوالي ظهور الانشقاقات والاندماجات الحزبية، مع استمرار السياسة الإسرائيلية المتشددة والضاربة بعرض الحائط جميع القرارات الشرعية والدولية، والاعتماد على اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأردني الأسبق كامل أبو جابر أن صفقة القرن بدأت منذ 220 عاماً عندما جاء نابليون بونابرت إلى المنطقة، ولكن بمسميات مختلفة، مشيراً إلى أن المشروع الصهيوني يتجاوز نطاق الجغرافيا إلى زرع الصراع في المنطقة وإضعافها وتفتيت الدول العربية لتظل إسرائيل مسيطرة على المنطقة، مع استمرار الحركة الصهيونية في شيطنة العرب لدى العالم الغربي، وخلق حالة من العداء بين القوميات الرئيسية في المنطقة والتي تتكون من العرب والفرس والترك والأكراد، فيما اعتبر أبوجابر أن صفقة القرن تمثل مشروعاً قديماً تم تنفيذ العديد من بنوده التي تتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية.
بدوره، أكد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بيان العمري، ضرورة وضع استراتيجية للخروج مما تواجهه الأمة من أزمات وتحديات، ومواجهة المشاريع الدولية والإقليمية الساعية لإضعاف الأمة العربية، معتبراً أن الاستسلام لهذا الواقع يعيق تحقيق المصالح الوطنية والقومية العليا، في حين تريد إسرائيل تعزيز استمرارها.
وتناولت الجلسة الأولى من الندوة التحولات السياسية الإسرائيلية، إذ تحدث الدكتور مهند مصطفى مدير مركز مدى الكرمل في حيفا حول ما تشهده إسرائيل في العقد الأخير من إعادة إنتاج تيار اليمين نحو ما تسميه الأدبيات السياسية اليمين الجديد، ومحاولة ترجمة سيطرته على السياسة في إسرائيل، إلى حالة من الهيمنة على المشهد العام في المجتمع الإسرائيلي،
فيما اعتبر نظام بركات، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أن الساحة السياسية في إسرائيل شهدت مجموعة من التحولات الرئيسية، ومن أبرزها زيادة تفكك وتشرذم الحركات والأحزاب السياسية وظهور حالة من سيطرة الأحزاب الصغيرة والمتوسطة على تشكيل الحكومات الإسرائيلية غير المتجانسة، وغياب الدور الفعال للقيادات الكارزمية والتاريخية وصعود التيار الديني القومي في إسرائيل وازدياد تأثيره على السياسة الإسرائيلية، وانحسار دور المؤسسة العسكرية لصالح القوى اليمنية والدينية في النظام السياسي، مع تراجع الثقة بالسلطة ومؤسساتها الرسمية، سواء على صعيد السلطة التنفيذية أو التشريعية.
فيما تناولت الجلسة الثانية للندوة التحولات الأمنية في إسرائيل، إذ أشار الدكتور جوني منصور أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية بيت بيرل في فلسطين، إلى مفهوم الأمن القومي والعقيدة العسكرية في إسرائيل والتحولات التي طرأت عليها، فيما أكد الخبير الاستراتيجي واللواء المتقاعد محمود إرديسات أن نظرية الأمن الإسرائيلي تعتمد على عدد من العوامل المتداخلة، في مقدمتها القوة العسكرية، واستمرارية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتوسيع عمليات الاستيطان، والسعي إلى امتلاك التكنولوجيا العسكرية.
كما بحثت الجلسة الثالثة من الندوة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، إذ أشار الدكتور نصر عبد الكريم، أستاذ المالية والمحاسبة في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية في رام الله، إلى ما يتميز به النظام الاقتصادي الإسرائيلي من درجة عالية من المركزية، خصوصاً في سيطرة الحكومة على الموارد، وارتباطه بشكل وثيق بالسياسة التوسعية المبنية على أيديولوجية قومية دينية يهودية، والسيطرة الإسرائيلية على توجيهات المساعدات الأميركية.
من جهته، أشار الدكتور خالد أبو عصبة، مدير معهد مسار للأبحاث الاجتماعية والتطبيقية في حيفا، إلى ما يعيشه واقع المجتمع الإسرائيلي اجتماعياً واقتصادياً من التناقض الداخلي ومشاكل أساسية تتعلق بالمبنى الاجتماعي والتباين الثقافي لدى قطاعات عديدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وحالة القلق على استمرار التماسك الاجتماعي والثقافي للمجتمع الإسرائيلي، في ظلّ خشية فقدان الروح الوطنية الصهيونية والتي لطالما عملت المؤسسة على تعزيزها.