بريطانيا والاتحاد الأوروبي: السير على حدّ السكين

05 نوفمبر 2014
كاميرون غير متمسّك بالبقاء في الاتحاد (ايمانويل دوناد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتأخّر المستشارة الألمانيّة، أنجيلا ميركل، في تصعيد شديد اللهجة، في تحذير رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، من "أنّها تفضّل رؤية المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي على المساومة على مبدأ حرية تنقّل الأفراد الأوروبيين داخل حدود الاتحاد". وتأتي تصريحات ميركل، التي نقلتها مجلة "دير شبيغل" الألمانيّة، نهاية الأسبوع الماضي، لتصبّ الزيت على نار مشتعلة أصلاً داخل البيت البريطاني، مع ارتفاع نبرة الجدل بين أنصار بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وبين المطالبين بالانسحاب منه.

خلال الأسبوع الماضي، انفجر الموقف تماماً، بين بروكسل ولندن، عندما طلبت رئاسة الاتحاد الأوروبي من الحكومة البريطانيّة دفع مساهمتها في ميزانيّة الاتحاد والبالغة 1,7 مليار يورو، في سقف زمني لا يتجاوز الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وفي ردٍ وُصف بـ"المتمرّد"، لم يتأخّر رئيس الحكومة البريطانيّة، في رفض الطلب الأوروبي، بتأكيده أمام البرلمان أنّه "لن يدفع المبلغ المطلوب في ديسمبر/كانون الأول". وفيما يعتبر مسؤولو الاتحاد الأوروبي الرد البريطاني "غير مبرر"، يرى مسؤولون بريطانيون أنّ الطلب الأوروبي "فظ"، ويؤجّج "النزعات اليمينيّة المناهضة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي".

وكانت المواجهة العلنيّة والحامية، بين كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وحكومة لندن، أخذت في التوتر المتصاعد منذ أشهر، وتحديداً في يونيو/حزيران الماضي، عندما اعتبر كاميرون أنّ الاتحاد الأوروبي وجّه صفعة قويّة له، وللمؤيّدين للاتحاد في بريطانيا، عندما أصرّ على تعيين جان كلود يونكر رئيساً للمفوضيّة الأوروبيّة. واعتبرت الصحف البريطانيّة آنذاك، أن بريطانيا أصبحت قريبة من الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولم يخفِ كاميرون مشاعره بسبب تلك "الصفعة"، عندما عبّر في سبتمبر/أيلول الماضي "عن عدم تمسّكه ببقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي"، مشدداً على أنّ مصلحة بريطانيا ‏تحتلّ المرتبة الأولى بالنسبة إليه.

وقال كاميرون لراديو "بي بي سي 4"، إن "قلبه لن ينكسر إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، لأنّ مشاعره تجاه بريطانيا تزيد ألف مرة عن المشاعر التي يكنّها للاتحاد ‏الأوروبي‏".

وتغلي قصّة العلاقات الأوروبيّة البريطانيّة المتوتّرة، على نار هادئة في الداخل البريطاني، منذ الانتخابات العامة الماضية عام 2010، ويقوى سعيرها مع ازدياد شعبيّة "حزب الاستقلال" اليميني المناهض للاتّحاد الأوروبي.

وتظهر استطلاعات الرأي، منذ ذلك الحين، انقساماً واضحاً في أوساط الرأي العام البريطاني. ووصلت الجبهة المعارضة للاتّحاد إلى أوجّ صعودها عام 2012، عندما حصلت على نسبة 56 في المائة، مقارنة بـ 30 في المائة فقط، لمعسكر المؤيّدين للاحتفاظ بعضويّة بريطانيا في الاتحاد.

ويرى أنصار الاتحاد أنّ انسحاب بريطانيا سيكون كارثيّاً عليها، لاعتمادها بشكل أساسي على تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يقول مناهضو البقاء في الاتحاد، إنّه لدى بريطانيا فرصة التعويض عن التبادل التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي، من خلال تأسيس علاقات تجاريّة حرّة مع دول الكومونولث، وخصوصاً الهند.

من جهته، يختار كاميرون الوقوف في منتصف الطريق، فإما أن يقبل الاتحاد بإعادة التفاوض حول شروط عضويّة بريطانيا فيه، وإلا سيمضي إلى إجراء استفتاء عام 2017، تحدّد نتيجته بقاء بريطانيا في الاتحاد أو الانسحاب منه.

ولم يلقَ موقف كاميرون "التكتيكي" ترحيباً أو دعماً، من شركائه في الحكم، "الديمقراطيون الأحرار"، ولا من حزب العمال المعارض، ولا حتى من أنصار الاتّحاد الأوروبي في حزب المحافظين. أما أحزاب اليمين، وفي مقدمهم "حزب الاستقلال"، صاحب شعار "بريطانيا أولاً"، فيعتبرون أنّه بإمكان بريطانيا التفاهم مع الاتحاد الأوروبي على "طلاق ودّي"، لتتخلّص بذلك من الالتزامات التي لا تقبل بها، مع الاحتفاظ بعلاقات تجاريّة مع الدول الأوروبيّة.

ويُعدّ زعيم حزب "الاستقلال"، نايجل فراج، من أكثر المتحمّسين لهذا الرأي، إذ يقترح أن تقتدي بريطانيا بنموذج النرويج وسويسرا، إذ تحتفظ الدولتان بحريّة التبادل التجاري مع السوق الأوروبيّة من دون أن تلتزما بقوانين الاتحاد الأوروبي في مجالات الزراعة، والصيد البحري، والعدل والداخلية. ويعتقد مؤيدو هذا التوجّه، أنّ تحرّر بريطانيا من الالتزامات والقيود التي يفرضها الاتحاد على الدول الأعضاء، سيفتح أمامها أفقاً رحباً لعقد اتفاقيات تجارة حرّة مع دول العالم.

في المقابل، يرى آخرون في هذا الطرح مجرّد "أضغاث أحلام"، باعتبار أنّ ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوروبيّة، لن تقبل بسياسات "اختر ما تشاء وأهمل ما تشاء". ويتفق معارضو هذا الطرح مع ما ذهب إليه رئيس المفوضيّة الأوروبيّة السابق، خوسيه مانويل باروسو، عندما حذّر بريطانيا من مخاطر الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، قائلاً: إنّ لندن ستفقد تأثيرها الدولي إذا أقدمت على تلك الخطوة.

ويبدو أنّه بين تحذيرات أو بالأحرى تهديدات المستشارة الألمانية، وتزايد ميل الرأي العام البريطاني نحو اليمين المناهض للاتحاد الأوروبي، سيظلّ رئيس الوزراء البريطاني، كمن يمشي على حدّ السكين، وستبقى العلاقات الأوروبيّة البريطانيّة وتعقيداتها، الورقة الأصعب في المشهد السياسي البريطاني، على الأقلّ حتى شهر مايو/أيار المقبل، موعد الانتخابات العامة.

المساهمون