بدء العام الدراسي الليبي رهينة معركة متجدّدة بين وزارة التعليم والمعلمين

06 أكتوبر 2018
تهديد بتأجيل العام الدراسي (Getty)
+ الخط -
يواجه العام الدراسي في ليبيا، للسنة الثالثة على التوالي، تهديدا بتأجيله بسبب الجدل المتواصل بين وزارة التعليم والمعلمين الذين يصرون على التشبث بمطالبهم بـتحسين المرتبات وتأمينهم صحياً، بالإضافة إلى إصدار قانون يكفل حمايتهم.

وفي الوقت الذي تضغط فيه نقابة المعلمين بورقة تأجيل الدراسة إلى غاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حتى تنفيذ مطالبهم، تؤكد وزارة التعليم بدء العام الدراسي في الموعد المعلن عنه مسبقا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مهددة المعتصمين باستبدالهم بغيرهم.

خلفيات المشكلة

وطرحت مطالب المعلمين أمام حكومات ليبيا المتعاقبة منذ عام 2015، لكن منذ العام التالي بدأ التصعيد في بعض البلديات في شرق ليبيا، وبتفعيل نقابة المعلمين العام الماضي التحقت بلديات بغرب وجنوب ليبيا بقافلة المحتجين وتصعيد المطالب مع بداية كل عام دراسي، ما أثر خلال العامين الماضيين في انطلاقة العام الدراسي المعهودة من منتصف سبتمبر/أيلول وتأجيله إلى منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

وتعرض قطاع التعليم لتشويه كبير منذ عام 1995 إبان حكم النظام السابق، عندما سمح للباحثين عن عمل من الخريجين الجدد في كل التخصصات بالعمل في قطاع التعليم كمعلمين دون النظر في حصولهم على شهادات تربوية كما يشترط في المعلم المؤهل للوظيفة.

وفي عام 2007 قررت رئاسة الوزراء إحالة المعلمين غير المتحصلين على شهادات تربوية إلى الملاك الوظيفي العام التابع لوزارة العمل لتمكينهم من العمل في قطاعات أخرى بحسب تخصصاتهم، وإثر عدم تطبيق القرار عاد عدد منهم إلى قطاع التعليم، من بينهم 350 ألف موظف تم قبولهم في سلك التعليم بدرجة احتياط والتزمت الدولة بدفع رواتبهم كعمالة موقوفة.

المعالجة والمواجهة

في عام 2012 صدر قرار الحكومة بعودة هؤلاء المعلمين إلى ممارسة أعمالهم وتم تعيين آخرين جدد من قطاعات أخرى لا يحملون شهادات تربوية تتناسب وطبيعة عمل المعلم، مما دفع الحكومات التالية إلى السعي لمعالجة أوضاعهم، كان آخرها قرارات وزارة التعليم الحالية التابعة لحكومة الوفاق عرض المعلمين على امتحانات لتحديد مستوى قدرتهم على الأداء التعليمي ضمن برنامج وصفته بــ"الوطني الإصلاحي"، وأيضا لمعالجة تكدس المعلمين غير المؤهلين، ما أغضب قطاعا كبيرا منهم لا سيما الملتزمين بأعمالهم الذين قضوا في الميدان أكثر من 30 سنة، وأوشكوا على التقاعد، إذ عبروا عن رفض تسويتهم بمن لا يعملون أو بالمحالين على الاحتياط.

وفي العام الماضي، دعت نقابة المعلمين إلى اعتصام في أنحاء البلاد والامتناع عن التحاق المعلمين بالمدارس، مصعدة مطالبها إلى ضرورة إصدار قانون "حماية المعلم"، بسبب تعرض قطاع كبير من المعلمين لانتهاكات من قبل مسلحين وخضوع مدارس بأكملها لرغبة طلاب كانوا قد شاركوا في حروب البلاد لإنجاحهم بــ"قوة السلاح"، كما طالبت النقابة بضرورة منح المعلمين حقوقهم في التأمين الصحي إسوة بقطاعات أخرى، وعلى رأس مطالبهم زيادة الرواتب.

ولتلافي مشكلة تأخر العام الدراسي، قررت الوزارة التعاطي مع مطلب زيادة المرتبات بصرف علاوة على الحصص الدراسية التي يدرسها المعلمون، مبينة أن قرار زيادة الرواتب يحتاج تشريعا وسن قوانين بشأنه من قبل الحكومة والجهات التشريعية، ليصدم القرار برفض النقابة التي أوضحت أن معلمين يدرسون مواد لا تتجاوز حصتين في الأسبوع فقط سيتساوون مع مدرسين بمواد تتجاوز حصصهم الأسبوعية ست حصص، كما أن معلمي الاحتياط لن يتمكنوا من الاستفادة من القرار.

وتساءلت النقابة عن مصير مديري المدارس ومعلمي الاحتياط والأخصائيين ممن يعملون بدوام كامل، وكيف ستسوي الوزارة أوضاعهم المالية وتكفل لهم حقهم في الاستفادة من القرار.

وأمس الجمعة، أعلنت الوزارة عن تأكيدها على ضرورة بدء العام الدراسي الجديد في موعده المعلن عنه مسبقا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكنها ألحقته بعدة قرارات جاءت فيما يبدو لامتصاص غضب المعلمين كقرار ترقيات الملتزمين بالالتحاق بالعام الدراسي في موعده المقرر؛ وأخرى تؤكد تخصيص ميزانيات لمراقبات التعليم بالبلديات.

وفي ظل عدم إعلان نقابة المعلمين تراجعها عن قرارها بتأجيل بدء العام الدراسي، تسود مخاوف من تكرار سيناريو الأعوام الماضية مسببة انقساما كبيرا داخل المناطق التي التزم بعضها في الأعوام الماضية بقرار الوزارة، فيما عارض البعض الآخر، لا سيما أن بلديات بدأت في الإعلان عن مواقفها منذ الآن كما هو شأن بلدية شحات، شرق البلاد، التي أكدت على تأجيلها لبدء العام الدراسي حتى تحقيق مطالب المعلمين.


لكن قد تواجه نقابة المعلمين بالتقصير، فدورها حتى الآن، بحسب مراقبين، لا يتجاوز تمثيل المعلمين في صراعهم مع مشروع الوزارة الإصلاحي دون أن تساهم في حلحلة مشاكل التعليم بمقترحات فعالة؛ فمشروع الوزارة يتضمن خطوات وتفاصيل من شأنها بالفعل رفع كفاءة المعلم كتقييم جودة 400 ألف معلم هم كامل كادر قطاع التعليم من المعلمين، بالإضافة إلى وضع حلول لـ 680 ألف موظف آخرين في القطاع.

ومن جانب آخر تبقى قرارات الوزارة العقابية التي أعلنت عنها مؤخرا بلجوئها إلى التعاقد مع معلمين جدد حلا قد يعود إلى أصل المشكلة، فأغلب المعلمين الجدد لا يتوفرون على الجودة المطلوبة، بحسب معايير الوزارة ذاتها، مما يجعلها تواجه المشكلة مضاعفة.​

المساهمون