انهيار جديد للريال الإيراني وانفلات بالأسواق

انهيار جديد للريال الإيراني وانفلات بالأسواق

طهران

فرح الزمان شوقي

avata
فرح الزمان شوقي
27 سبتمبر 2018
+ الخط -

عاد سعر الريال الإيراني ليتجه إلى منحى الهبوط القياسي مقابل الدولار الأميركي، فتجاوز اليوم الأربعاء، سعر 180 ألف ريال للدولار الواحد، وذلك بزيادة 15 ألف ريال عن السعر المعروض أمس، والبالغ 165 ألف ريال للدولار الواحد، بحسب صرافين لـ"العربي الجديد".

ويأتي تدهور العملة الإيرانية، وسط تصاعد الانتقادات الداخلية، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية بعد فشل الحكومة في السيطرة على الأسواق. وفقد الريال أكثر من 75% من قيمته منذ بداية العام الحالي، وكانت نسبة كبيرة من التدهور خلال الفترة الأخيرة التي أعقبت إعلان أميركا فرض عقوبات على طهران.

ورأى رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني محمد رضا بور إبراهيمي أنه على رئيس البلاد أن يتحمل مسؤولية الوضع وأن يقدم مبرراته لما يجري، فهي ليست المرة الأولى التي تواجه فيها طهران أزمة حادة في سوق الصرف، معتبرا أنه كان على الحكومة إدارة الوضع مع التقليل من انعكاس الخسائر والتبعات على الشارع.

وانتقد إبراهيمي الرهان على الاتفاق النووي مع الغرب الذي كان من المفترض أن يلغي العقوبات الاقتصادية، لكن ذلك لم يحصل عمليا بحسب رأيه، إلى جانب إلقاء اللوم على الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الحكومة لا تستمع لمطالب معالجة مشكلات السياسات المرتبطة بالصرف. كما لم يقدم الرئيس الإيراني حتى الآن بدائل مقترحة لتولي حقائب وزارية اقتصادية، عزلَ البرلمان الإيراني وزراءها أخيرا، على خلفية ملفات ترتبط بمشكلات الاقتصاد، بحسب إبراهيمي.



وتعليقا على التطورات الأخيرة والتبعات والسيناريوهات المتوقعة، قال الخبير الاقتصادي الإيراني بهمن آرمان لـ"العربي الجديد"، إن انخفاض العملة المحلية أمام الدولار سيبقى مستمرا، وهو ما سيؤثر في نسبة التضخم الاقتصادي، فأسعار السلع والمواد ترتفع بشكل مضطرد، وهو ما سيترك تبعات ثقيلة على المؤشرات الاقتصادية في البلاد بحسب رأيه.

وأضاف آرمان أن إيران تعتمد على الواردات في توفير سلع ضرورية، ومع أن الحكومة أعلنت سابقا أنها ستوفر الدولار اللازم للموردين بسعر صرف مخفّض يختلف عن ذاك الموجود في السوق السوداء، إلا أن ذلك لم يطبق بشكله الأمثل.

وعن طريقة تعامل الشارع مع ما يحصل، رأى آرمان أنه من الطبيعي أن يتجه الإيرانيون نحو تبديل مدخراتهم للذهب والدولار وحتى شراء العقارات، في محاولة للمراهنة على استثمار رابح نسبيا، أو لإنقاذ ما لديهم على الأقل مع استمرار هذا التدهور في أسعار الصرف، موضحاً أن ذلك لا يشمل شريحة واسعة وإنما يتعلق بأصحاب رؤوس الأموال.

ومقابل ذلك، فإن من يدفعون الثمن الحقيقي هم من المحسوبين على الشريحة المتوسطة والفقيرة والتي تتسع يوما بعد آخر، لأن رواتبهم ومستحقاتهم المالية لا تتناسب والغلاء المعيشي المتواصل.

وشهدت أسعار السلع في إيران ارتفاعا ملحوظا في الفترة الأخيرة. ووفقا لتقرير رسمي صادر عن البنك المركزي، شهد الأسبوع الأخير من أغسطس/آب الماضي زيادة في أسعار ثمانية أنواع من السلع الغذائية الرئيسة، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار الدجاج بنحو 5.6%، أما الفاكهة فارتفعت بمقدار 6.8% والألبان 0.4%.

ونقل التقرير ذاته مقارنة أسعار المواد نفسها بالفترة ذاتها من العام الفائت، فأكد ارتفاع سعر الفاكهة بنسبة 83%، والدجاج بـ 32.5%، والألبان بحوالي 37.8%.

ولا يضع آرمان عامل اللوم وحده على عدم قدرة الحكومة أو المصرف المركزي على ضبط الوضع، ويحمّل المسؤولية للولايات المتحدة الأميركية، التي تحاول الضغط على المصارف الدولية الكبرى لتشارك في الحرب الاقتصادية على الريال الإيراني، وهو ما يحصل في الوقت الراهن برأيه، معتبرا أن سعر الصرف الحالي للعملة المحلية غير منطقي وغير حقيقي.

ويعيش الصرافون حالة ارتباك مع استمرار موجة تذبذب الأسعار، فمنهم من توقف عن البيع، وسط استمرار المضاربات، ما ينعكس على الوضع المعيشي للإيرانيين ويساهم في ارتفاع قيمة السلع، ما زاد من الانتقادات الموجهة للبنك المركزي وللحكومة الإيرانية برئاسة المعتدل حسن روحاني.

ودفاعاً عن موقف الحكومة، قال محمد نهاونديان المستشار الاقتصادي للرئيس الإيراني، إنه ليس لدى السوق الحرة صلاحية ومرجعية لتعيين قيمة الدولار، مؤكدا أن العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية يتم تأمينها وفقا للسعر الرسمي، مضيفا أن ٥٪ من المبادلات بالعملة الصعبة تجري في سوق ثالثة، والمقصود بها ليست تلك الرسمية للبنك المركزي ولا السوق الثانوية التي تم افتتاحها أخيرا وتعتمد في تحديد سعر الدولار على العرض والطلب بين الموردين والمصدرين.


وفي تصريحات صحافية صادرة على هامش اجتماع وزاري حكومي عقد، أمس، أضاف نهاونديان أن الجلسة الإيرانية الأوروبية والتي عقدت على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أسفرت عن خطوة إيجابية تتعلق بإنشاء كيان قانوني لتسهيل التعاملات المالية مع إيران في محاولة للتخلص من العقوبات الأميركية، ورأى أن ذلك من شأنه نقل الصادرات النفطية وغير النفطية والحصول على عائداتها بالدولار وضخها في السوق، معتبرا أن تعاون المسؤولين والخبراء الاقتصاديين من شأنه إعادة الهدوء.

وبعد أن أعلن البنك المركزي الإيراني تثبيته سعر صرف الريال أمام الدولار بقيمة 42 ألفا، عاد وغيّر خطته التي لم تنجح كثيرا، مع دخول حزمة العقوبات الأميركية الأولى حيز التنفيذ العملي في أغسطس/آب الماضي.

وأعلن المحافظ الجديد عبد الناصر همتي والذي كان روحاني قد عيّنه للتو خلفا لولي الله سيف، عن الخطط التي كانت تهدف إلى تحقيق استقرار في السوق، فسمح لمحال الصرافة المرخصة ببيع وشراء الدولار وأتاح المجال لإدخال العملة الصعبة والذهب للبلاد ودون قيمة مضافة، مع إمكانية توفير الدولار للموردين الرئيسين بسعر حكومي مخفض، فضلا عن افتتاح سوق تسمى بالثانوية أو الجانبية، يضخ فيها الدولار من قبل مصدري البتروكيماويات، الصلب، الغاز والمشتقات النفطية، ويحصل عليه المستوردون لجلب سلعهم باستثناء موردي البضائع الرئيسة.

بعد ذاك الإعلان، استقر الريال مقابل الدولار لفترة وجيزة، ولم يتعرض للانهيار مع عودة العقوبات، بل تحسن نسبيا خلال الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول، فوصل الدولار الواحد إلى 125 ألف ريال بعد أن كان 140 ألفا قبل أن يتهاوى مجدّداً.

وتنتظر إيران حزمة عقوبات أميركية ثانية بحلول نوفمبر/تشرين الثاني والتي من المفترض أن تكون أشد وأقوى، إذ ستستهدف سوق النفط الإيرانية وتبادلات البلاد المالية.

وانتقد المتشدد حسين شريعتمداري، في افتتاحية صحيفة كيهان التي يشغل منصب رئيس تحريرها، الوضع الاقتصادي الراهن، معتبرا أن هناك أياديَ خفية تتلاعب بسوق الصرف أصبحت مرئية لكثيرين، وقال إن تجاوز سعر الريال قيمة 160 ألفا الثلاثاء الماضي أعاد موجة الغلاء على أشدها إلى السوق وهو ما يدفع ثمنه المواطن بالدرجة الأولى، متسائلا عن سبب عدم تقديم المسؤولين توضيحات عما يحصل.

من ناحيتها، ترى الصحافية في وكالة مهر الإيرانية فرشته رفيعي، أن الأمر مرتبط بالعقوبات الأميركية لكن لا يجب على الإطلاق تجاهل العامل الداخلي المتعلق بمسألة كيفية ضخ الدولار في السوق أو بخطط وسياسات المصارف الإيرانية التي تساهم بدورها في انهيار سعر العملة المحلية.

وذكرت رفيعي لـ"العربي الجديد" أن الحكومة مقصرة، وأن البنوك ليست الطرف الذي يؤمن الدولار أساسا للموردين وإنما من المفترض الحصول عليه من السوق الثانوية المفتتحة سابقا، قائلة إن هذه المنظومة لا تتناسب مع احتياجات السوق الإيرانية من الدولار.

ذات صلة

الصورة

سياسة

توعّد الحرس الثوري الإيراني، اليوم السبت، بـ"إغلاق بقية الممرات" المائية الدولية، إذا واصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بحق سكان غزة.
الصورة
جانب من مظاهرة للتضامن مع غزة ضد عدوان الاحتلال (محمد حمود/Getty)

اقتصاد

رغم شح المنتجات البديلة في الأسواق المحلية، وسّع اليمنيون حملات مقاطعة سلع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة.
الصورة

سياسة

تحلّ ذكرى وفاة مهسا أميني، والتي كانت أجّجت احتجاجات عارمة في إيران قبل عام، فيما لا تزال السلطة تتعامل من منطلق أمني بحت مع الحدث، الذي حرّك جدلية الحجاب الإلزامي.
الصورة
عملات ذهبية في غزة للادخار (إبراهيم أبو مصطفى/رويترز)

اقتصاد

في قطاع غزة المحاصر حيث يختلط الإباء والصمود بالفقر والعوز والكفاح من أجل العيش وضمان ما أمكن للأسرة والأجيال القادمة، ينشغل طبيب الأسنان أحمد حمدان بسك عملات ذهبية خفيفة الوزن للغاية تتيح لمحدودي الدخل الادخار بأكثر الطرق شيوعاً في المنطقة.

المساهمون