اليوم فقط أصبحت هناك أزمة سورية

اليوم فقط أصبحت هناك أزمة سورية

17 سبتمبر 2015
اليوم فقط أصبحت هناك أزمة سورية (Getty)
+ الخط -
اندلعت ثورات الربيع العربي بشكل مفاجئ للجميع، مما أربك حسابات الأطراف النافذة في المنطقة وكذلك الحكومات المستبدة، فدعمها الغرب في مرحلتها الأولى، وساهم في إخضاعها بمعاونة أطراف عربية لا ترغب في وصول رياح التغيير إلى أرضها، وكانت إحدى عمليات الإخضاع باليمن والأخرى بسورية، لكن الذي حدث بسورية ومازال يحدث سيظل أوضح مؤشرات فساد النظم العالمية كلها، وترويجهم لقيم يرفعون من شأنها وقت حاجتهم إليها، لا وقت حاجة المضطهدين.

منذ أيام قلائل تفجرت أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، وانتقالها بهذا الاتساع في القارة الأوروبية، أشعر العالم بأن هناك أزمة في سورية، وكأنهم لم يدركوا ذلك إلا عند وصول الأزمة إلى أراضيهم.

أوروبا الآن تتغير في تعاطيها مع الشأن السوري، فألمانيا سنّت قانونا من قبل بإعادة اللاجئين لأول دولة أوروبية وصلوا إليها، وتسعى الآن لتغييره، بريطانيا تعنتت من قبل -ولا تزال- فلم تستقبل سوى خمسة آلاف فقط لكنها تسعى لضم آلاف أخرى محدودة، لا تزال أوروبا الشرقية -حتى كتابة المقال- تقف بتعنت شديد أمام قبول المقترح الألماني الفرنسي بتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد بحصص عادلة، وحتى الدول التي استقبلتهم لا يزال أهل سورية يعانون-بشكل عام- من السلطات هناك.

وفقا لما نشره موقع التقرير نقلا عن مركز تبادل المعلومات فإن المجر -وهي بلد عبور على طريق دول البلقان الغربية- أقامت سورًا بارتفاع 3.5 أمتار، على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع صربيا وتفكر في اتخاذ تدابير لمعاقبة عابري الحدود بطريقة غير مشروعة، بالسجن لمدة سنوات، وتنفق بريطانيا، التي قبلت فقط استضافة 1% من اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى أوروبا، الملايين؛ من أجل تتريس مدخل النفق المؤدي إلى الاتحاد الأوروبي في مدينة كاليه، حيث يعيش آلاف اللاجئين في حالة من البؤس، وحيث مات 12 منهم بالفعل  هذا العام. كما يواجه المهاجرون الذين يعملون من دون تصريح عقوبات قاسية.

بخلاف ذلك نشر موقع دويتشه فيله الألماني  يوم الجمعة 4 سبتمبر عن بلوغ أعداد الهجمات على مراكز إيواء اللاجئين مئة اعتداء خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالقطع ليست كلها لسوريين، كذلك تقف الولايات المتحدة بهدوء شديد في تعاطيها مع الأزمة؛ بسبب عدم بلوغ الأزمة إليها؛ لبعد المسافة وإشكال التضاريس، ولا أدل على ذلك مما ذكره الناطق باسم البيت الأبيض عن استعداد واشنطن لتقديم "استشارات فنية" للاتحاد الأوروبي لحل قضية الهجرة في حين أنه امتنع عن الإجابة عن سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستقبال لاجئين في أراضيها، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يملك قدرات كافية لحل هذه القضية بنفسه، وفقا لما نقله موقع (RT) الروسي.

ما يتم ذكره ليس للتباري في إظهار النقائص، بل هو لإيضاح أن أزمة القيم تمس الجميع، ولا فرق بين الحكومات والشعوب، وربما قدمت تركيا للقضية السورية أفضل ما تم على مستوى العالم كله.

أزمة اللاجئين أثارت كذلك روح الانتقاص الذاتي لدى الأمة الإسلامية خاصة العرب منهم، وهي الحالة التي لا رابط لها سوى بالاستبداد والنكبات التي نعاني منها بعد انقلاب حلم التغيير لكابوس مفزع، صار الكل يتحدث بمصطلح "الغرب الكافر" المصطلح الذي أضحى مبتذلا ويحمل انتقاصا مبالغا فيه للذات، وكأن الغرب ليس جزءا من الأزمة، بل كأنه ليس أصل عقبة التغيير في المنطقة كلها، نعم هناك فارق كبير بين حضارتهم وحالنا، لكن كل القيم المزعومة تصبح على محك الاختبار مع كل أزمة، والواقع أنهم يفشلون دائما، كما أن الواقع أننا لم ننصف سورية ولا السوريين، بل لم ننصف أنفسنا حتى.

الحق أن المنطقة لم تُنكب سوى باستبداد أهلها وحكامها، حتى جرفوا القيم والأخلاق، ولم يفعلوا ذلك إلا بدعم الغرب الكافر بقيمه المدّعاة، وعندما تأتي اختيارات الشعوب على غير وفق مرادهم تأتي مبررات وحجج عدم دعم التطور والتغيير لدول العالم الثالث.

ما يتم تقديمه الآن في أوروبا جيد لا ريب في ذلك، وهو دال على التغيير في الموقف، لكنه ما زال لا يرقى إلى الدور المفترض باعتبار ما فرضوه على أنفسهم من حماية القيم، لا باعتبار ما يفرضه أحد عليهم، فأوروبا حتى الآن لم تحسم موقفها من قضية اللاجئين ولا تزال هناك دول ترفض استقبالهم، "خوفا من أن يصيروا أقلية في بلدانهم" كما صرح رئيس الوزراء المجري، ولا تزال أوروبا تتحدث عن عزمها استقبال 160 ألف لاجئ وهو عدد قليل جدا مقارنة بالأزمة السورية وحجم واقتصاديات الدول الأوروبية.

أخيرا أحصت مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة أربعة ملايين لاجئ سوري، اثنان منهم في تركيا وحدها، وما يزيد على مليون ومئة ألف لاجئ في لبنان، وما يقارب ثلاثة أرباع المليون بالأردن، وربع المليون بالعراق، وما يزيد على مئة ألف في مصر، وما يقاربها في السودان، اليوم دخلت أوروبا على تلك الخريطة، واليوم فقط استشعرت واستشعر معها الجميع أن هناك أزمة تحتاج لحل شامل، لا يقتصر على إيواء اللاجئين، بل يشمل الحق في خلع الاستبداد وتقرير المصير وانتزاع الحريات.

(مصر)

المساهمون