اليمين الإسرائيلي يصعّد حربه ضدّ محكمة العدل العليا

07 أكتوبر 2014
تطلق إسرائيل على اللاجئين الأفارقة لقب المتسللين(مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -
صعّد اليمين الإسرائيلي، ممثلاً بوزير الداخلية الإسرائيلي، جدعون ساعر، حربه ضد محكمة العدل العليا، على خلفيّة إلغائها قبل أسبوعين، قانوناً عنصريّاً يتيح احتجاز اللاجئين الأفارقة في معسكرات اعتقال سنةً من دون محاكمة.

وأعلن ساعر، أمس الاثنين، أنّه لا يجوز أن تسكت الحكومة الإسرائيلية على قرار محكمة العدل العليا المذكور، داعيّاً إلى ضرورة سنّ قانون جديد لفرض قيود على تدفّق المهاجرين واللاجئين الأفارقة. وكرر، مدعوماً من أعضاء اليمين، وعلى رأسهم رئيسة لجنة الداخلية، ميريت ريجف، رفضهم لما سموه تدخلَ المحكمة الإسرائيلية العليا في صلاحيات الكنيست لسنّ القوانين. وأعلنت ريحف، خلال جلسة أمس، أنّ قضاة العليا سيتلقون في نهاية المطاف ومن فوق رؤوسهم ضربات تشريعيّة تحدّد نشاطهم.

في المقابل، ذكرت الصحف الإسرائيلية الصادرة، اليوم الثلاثاء، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سيعقد اليوم جلسة طارئة مع كل من ساعر والمستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، للبحث في سبل التوصل إلى صيغة لقانون جديد أقل حدّة يمكن تمريره، من دون المجازفة بإعلان المحكمة العليا، أنّه غير قانوني ويناقض حقوق الإنسان، وذلك على خلفية إعلان مسبق للمستشار القانوني للحكومة، بأنّه لن يوافق على قانون يدعو إلى المسّ بصلاحيات محكمة العدل العليا.

وازدادت حدة الصراع بين اليمين وبين الجهاز القضائي في إسرائيل وجمعيات حقوق الإنسان، مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددتها المحكمة للحكومة لسنّ قانون جديد، قبل انتهاء سريان القانون الذي أعلنت إلغاءه بعد أسبوعين، بعد أن أمهلت المحكمة الحكومة 30 يوماً.

وذكرت مصادر إسرائيلية أنّ الاجتماع الذي سيعقده نتنياهو اليوم مع كل من ساعر ويهودا فاينشتاين، ستحضره أيضاً وزير العدل، تسيبي ليفني، ووزير الأمن الداخلي، يتسحاق أهرونوفيتش.
وكان وزير الداخلية الإسرائيلي أعلن أنّه يشترط مع سنّ القانون الجديد، إدخال بند يعطي أولوية وسلطة عليا للكنيست وينزع من محكمة العدل العليا، حق إلغاء قوانين شرعها الكنيست، ويتعلق حسب ساعر "بقضايا حرجة ومصيريّة مثل قانون "المتسللين"، وهو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على اللاجئين الأفارقة، للتملّص من التزاماتها الدولية بالسماح بدخول اللاجئين الفارين من الحروب والاضطهاد.

ويبدو أنّ اليمين الإسرائيلي لا يوجّه حربه ضد المحكمة العليا بسبب هذا القانون فحسب، بل إثر سلسلة من القرارات، اتخذتها المحكمة في السنوات الأخيرة، وأعلنت فيها عدم شرعيّة قوانين سنّها اليمين الإسرائيلي مثل قانون التغذية القسريّة للأسرى المضربين عن الطعام، وقوانين عنصرية أخرى وأوامر إدارية عنصرية كانت تجيز مثلاً عدم بيع البيوت أو تأجيرها للمواطنين العرب، كما في قضية بيع بيت لمواطن عربي من باقة الغربية في بلدة كتسير اليهودية. وإثر قرار المحكمة، سنّ الكنيست قانوناً عرف باسم لجان القبول، شرّع عمليّاً التمييز العنصري تحت مسمّى رفض قبول سكان في البلدات الجديدة، إذا كان ذلك يمسّ النسيج الاجتماعي والثقافي للبلدة.


كما يحاول اليمين الإسرائيلي، خصوصاً قطاعات المستوطنين، نزع شرعية محكمة العدل الإسرائيلية العليا واتهامها بميول يسارية، وبأنها تعمل بتنسيق مع جمعيات وحركات اليسار وحقوق الإنسان، لا سيّما بعد أن أمرت المحكمة، قبل أعوام، بتفكيك بيوت أقامها مستوطنون في بيت إيل على أراض فلسطينية خاصة، خلافاً للقانون، وعبر الاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني على الإطلاق.

ويعكس الصراع بين المحكمة الإسرائيلية العليا وبين الكنيست، وتحديداً أحزاب اليمين فيه، حقيقة التوتّر الكامن في الجهاز الإسرائيلي بأكمله، في كل ما يتعلق بالتمييز العنصري ضد الفلسطينيين في الداخل، وشرعنة عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، سواء في الداخل أم في الضفّة الغربيّة، بأثر رجعي. ويسعى اليمين إلى الاستفادة من أغلبيته الكبيرة في الكنيست لتمرير كل مشاريع الاستيطان والقوانين العنصريّة، لكنه يحاول تحييد محكمة العدل العليا، حتى لا تقدم الأخيرة، مستفيدة من عدم وجود دستور رسمي في إسرائيل، على إلغاء قوانين وتشريعات عنصرية بامتياز.

وينظر مستوطنون، على سبيل المثال، إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، بوصفها أكبر عقبة، خصوصاً في ظلّ نشاط حركات حقوقيّة يساريّة مختلفة، مثل "بتسيلم" و"السلام الآن"، و"يش دين"، أمام مشروع الاستيطان والتوسّع على حساب الفلسطينيين، لا سيّما وأنهم يدّعون أنّ مرجعيتهم هي التوراة وليس القوانين الوضعية.
المساهمون