الواقع يكذّب القانون في المغرب

الواقع يكذّب القانون في المغرب

12 يونيو 2017
يركّز على عمله حتى لا يتلقّى توبيخاً (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

يحظر القانون المغربي تشغيل الأطفال دون السادسة عشرة، سواء في البيوت أو المحلات التجارية أو المعامل الصناعية، فيما يُسمح ذلك لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً شريطة موافقة أسرهم على ذلك. وينصّ القانون على جملة من العقوبات المالية بالإضافة إلى السجن في حقّ السماسرة، الذين يتوسّطون لتشغيل الأطفال القصّر، وكذلك أصحاب المنازل الذين يقبلون بـتشغيل الأطفال ذكوراً وإناثاً الذين تقلّ أعمارهم عن 16 عاماً، مع تشديد العقوبات في حال تشغليهم في أعمال ومهن خطيرة.

وتفيد أرقام رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة حكومية، بأنّ 193 ألف طفل من بين الأطفال المتراوحة أعمارهم بين سبعة و17 عاماً كانوا يشتغلون في أعمال خطيرة خلال عام 2015، وهو ما يمثّل 59 في المائة من الأطفال العاملين و2.9 في المائة من مجموع أطفال هذه الفئة العمرية.

وبحسب التقسيم الجغرافي والمجالي، فإنّ 39 ألف طفل في الوسط الحضري يزاولون أعمالاً خطيرة، وهو ما يمثل 86 في المائة من الأطفال العاملين في المدن و1.1 في المائة من مجموع أطفالها، بينما يرتفع هذا العدد في الوسط القروي إلى 154 ألف طفل وهو ما يمثّل 54.8 في المائة من الأطفال العاملين في الريف و5.1 في المائة من أطفاله. ومن تلك الأعمال الخطيرة النجارة والحدادة، على سبيل المثال لا الحصر، اللتان تستدعيان التعامل مع آلات حادة لتقطيع الخشب أو الحديد وتهدّد بالتالي سلامتهم.




يقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إنّه "خلال عام 2016 كان ثلاثة في المائة من الأطفال المغاربة بين سبعة و17 عاماً يشتغلون، ونحو 60 في المائة منهم في ظروف سيئة أو يزاولون أشغالاً صعبة وشاقة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه المؤشرات الخطيرة لا تعكس كلّ الحقيقة، إذ ثمّة فئات أخرى من الأطفال يشتغلون في مجالات غير خاضعة لمعايير الإحصاء الرسمية، من قبيل هؤلاء الذين يبحثون في أماكن جمع النفايات وكذلك المشردون الذين يشتغلون كبائعين متجوّلين، وهذه أعمال مهينة ومحفوفة بالمخاطر". ويلفت الخضري إلى أنّ فتيات كثيرات دون السابعة عشرة يشتغلنَ كـخادمات في البيوت، ومن الصعب إحصاؤهنّ. وهؤلاء يشتغلنَ في ظروف غير صحية تهدد بتقويض مستقبلهنّ، من دون الحديث عمّا قد يتعرّضن له وحتى الفتيان الذين يخرجون للعمل، من استغلال جنسي ومادي من دون حماية حقيقية تُذكر".

وكانت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، قد أعادت عدم التطبيق الكامل والناجع لقانون منع تشغيل الأطفال إلى أنّ هذا الملف مركّب ومعقّد وله جذور اقتصادية وثقافية، تستوجب تعبئة اجتماعية لجميع الفاعلين على الصعيد الوطني. بالنسبة إلى الحقاوي، فإنّه لا يمكن القضاء نهائياً على تشغيل الأطفال رغم القوانين الكثيرة، إذ الأمر يتعلق بمدى استيعاب الجميع لمخاطر تشغيل الأطفال.

في السياق نفسه ، يرى الخضري أنّ "مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، الذي أطلقته الحكومة المغربية في عام 2013، وغايته حماية الأطفال من الظروف الاجتماعية التي تكون مصدر دفعهم إلى العمل وترك مقاعد المدرسة، لا أثر له على أرض الواقع". ويشدّد على أنّه "حتى الساعة، ما زالنا نسجّل تسرّباً مدرسياً مع خروج الأطفال للعمل بسبب الظروف الاجتماعية الهشة لشريحة عريضة من الأسر".

ويتحدّث الخضري عن "الاختلالات البنيوية في السياسة العمومية الخاصة بتدبير الشأن العام، وعن غياب العدالة الاجتماعية عموماً، وهو ما يخلّف تداعيات في أوضاع الحلقات الأضعف في المجتمع، والأطفال من ضمن تلك الحلقات". ويتابع أنّ "المغرب خلف بالتزاماته الأممية، ومنها على سبيل المثال مقتضيات اتفاقية الطفل التي صادق عليها في يونيو/ حزيران 1993، ومقتضيات الاتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها".

دلالات