المغرب.. أي أفق لإحياء تجربة النخبة الاقتصادية؟

المغرب.. أي أفق لإحياء تجربة النخبة الاقتصادية؟

24 مارس 2018

عزيز أخنوش.. أول أثرياء المغرب وطموح سياسي (10/10/2017/الأناضول)

+ الخط -
قرّر الوزير والسياسي المغربي، عزيز أخنوش، أخيرا، اللعب تحت الأضواء، بعد أن طال عليه الأمد في الظل بقبعات مختلفة؛ تتراوح بين رجل أعمال حينا، ومناضل سياسي أحيانا، وتكنوقراط أحيانا أخرى، بحسب ما يفرضه السياق. فقد شغل الرجل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في ثلاث حكومات متعاقبة؛ منذ 2007. وأُسنِدت إليه مهمة قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، في مؤتمر استثنائي؛ عقب إجراء تشريعيات أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
كانت الغاية من الإسناد المستعجل، قصد تدبير شؤون حزب صنعه القصر نهاية السبعينيات للنخبة البرجوازية الصناعية والتجارية، تنفيذ خطة العرقلة السياسية (البلوكاج) التي أدت، في المحصلة، إلى إخراج رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، من المشهد السياسي المغربي. وبذلك يرفع الرجل أسهم حزب التجمع الوطني للأحرار في بورصة الأحزاب الإدارية، ليتحول رهان الدولة قصد وقف زحف الإسلاميين، واستعادتها زمام المبادرة، وتجفيف بقايا الربيع العربي، من حزب الأصالة والمعاصرة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار.
تعطي التحركات الحزبية الكثيفة داخل المغرب وخارجه، والإطلالات الإعلامية المتوالية للأمين العام لحزب الحمامة مصداقية لهذا التفسير. خصوصا، وأن الرجل قدّم، في أكثر من تجمع حزبي جهوي (فاس، أكادير..) عرضا سياسيا أشبه ما يكون ببرنامج انتخابي، انتقد فيه عدة قطاعات وزارية لا يشرف عليها الوزراء التجمعيون في الحكومة الحالية (التعليم، الصحة، التشغيل..)، وتعدّاه إلى طرح وصفات جاهزة، ترمي إلى إيجاد حلول نهائية لمشكلات هذه القطاعات.
يعتبر أخنوش هذه التحركات أمرا عاديا جدا، بالنسبة لسياسي يبحث عن تموقع جديد للحزب 
الذي يتولى قيادته، ولحزبٍ يعمل على التسويق لنفسه داخليا وخارجيا. وحتى مسألة الإعلان المبكر عن فتح باب التشريح باسم الحزب، في أفق بلوغ 30 ألف ترشيح بعد ثلاث سنوات، فهي ترد ضمن هذه الاستراتيجية، غير أن سؤالا وجيها يبقى بلا جواب في هذا السياق، يتعلق بالضمانات التي تُبقي الأمر في إطار التنافس الحزبي، ولا ينقلب إلى تشويش على حكومةٍ كان لزعيم هذا الحزب دور كبير في ولادتها.
يسعى عزيز أخنوش إلى تقديم نفسه بديلا سياسيا، يمكن المراهنة عليه لقيادة المشهد السياسي مستقبلا. لذلك يعمل على إرباك مواقف باقي الفرقاء السياسيين ومواقعهم، خصوصا من لم ينخرطوا معه في مسلسل العرقلة السياسية. بالموازاة مع ذلك، يسعى إلى حشد وتعبئة واستقطاب أكبر عدد من الأعيان ومحترفي الانتخابات الذين سيشكلون القوة الانتخابية الضاربة للحزب مستقبلا، بعدما أيقن أن التجمع الوطني للأحرار أضحى حزب الدولة القديم/ الجديد. لكن رهان الدولة على عزيز أخنوش، وعلى حزب التجمع الوطني للأحرار، قصد قيادة الحكومة المقبلة؛ لأنه نجح في اختبار إطاحة زعيم الإسلاميين المزعج، تواجهه عدة عقبات تجعل شعبية الرجل وحزبه لدى المغاربة على المحك.
أولا: تزامنا مع الدينامية والتسويق الذي يقوم به أخنوش لشخصه وحزبه، كشفت مجلة فوربس الأميركية التي تُعنى بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية في العالم، عن تربع أخنوش على قائمة أثرياء المغرب بثروة بلغت 2,2 مليار دولار، بزيادة قُدرت بأكثر من 700 مليون دولار خلال عام واحد. ويأتي تحقيق هذا النجاح بفضل إدارة الملياردير مجموعة "أكوا" القابضة التي تضم نحو 50 شركة تنشط في مجالات اقتصادية عدة، في مقدمتها مجال البترو- كيمائيات، من خلال شركتي "أفريقيا غاز" و"مغرب أوكسجين". في وقت أمضى فيه المغاربة سنة ستبقى عصية على النسيان في الذاكرة الجمعية، بما طبعها من ظرفية اقتصادية صعبة، وكمٍ هائل الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي في مناطق عديدة (الريف، زاكورة، جرادة..).
ثانيا: جاء الترويج الإعلامي القوي للوزير عزيز أخنوش في وقت يشهد فيه قطاع الصيد البحري الذي يشرف عليه طوال عقد منعطفا خطيرا فيما يتعلق باتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي. فقبل أيام، قضت محكمة العدل الأوروبية، في حكم صادر عنها، بأن "اتفاق الصيد المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي غير قابل للتطبيق على المياه الإقليمية للصحراء"، معتبرة أن ضم منطقة الصحراء إلى نطاق اتفاق الصيد البحري "يخالف عدة بنود في القانون الدولي".
شكل مضمون الحكم مفاجأة للوزير الذي اضطربت تصريحاته، فبعد تأكيده أن "اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي ستبقى سارية المفعول"، عاد في برنامج تلفزي إلى القول إن "المملكة مستعدة للتخلي عن هذا الاتفاق، في حال لم يحترم الاتحاد السيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية". أكثر من ذلك، بدا الالتباس واضحا في كلام الرجل، حين خلط السياسي بالقانوني، من دون أن يضع أي حدود فاصلة بينهما. وهذا يدل على وجود قصور كبير في استيعاب المسافة الفاصلة بين السياسية والقضاء في أوروبا.
ثالثا: تقديم المشروع السياسي لحزب النخبة البرجوازية باسم "مسار الثقة"، الذي اختار مرجعا له الديمقراطية الاجتماعية المبنية على العدالة الاجتماعية، مستندا إلى ثلاثة مبادئ: المساواة
 والمسؤولية والتماسك الاجتماعي. وكلها تؤسس لمنظومة قيم مبنية على العدالة الاجتماعية، وتجيب، وفق رئيس الحزب، عن حاجيات المغاربة، وستحقق الأفضل في التشغيل والصحة والتعليم... يتناقض مع ممارسات قيادات الصف الأول في الحزب، ممن يتولون مواقع وزارية مهمة. فإلى جانب رجل الأعمال/ الوزير عزير أخنوش، نجد قياديا تجمعيا آخر يزاوج بين السياسة والتجارة، هو مولاي حفيظ العلمي، يتولى وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي. وقد تمكن أخيرا من بيع أسهم شركته في مجال التأمينات بأكثر من مليار دولار، مع الاستفادة من 46% من أرباح الشركة التي ستخضع لتسيير شركة من جنوب أفريقيا.
إضافة إلى لعنة التهرب الضريبي التي تلاحق وزيرا تجمعيا آخر، ما يطرح سؤالا عريضا حول إمكانية إقناع المغاربة بجدية (وواقعية) برنامج حزب الحمامة المروج له إعلاميا، في وقت تطفو فيه؛ إلى الواجهة وبقوة، إشكالية تضارب المصالح التي جرّمها دستور 2011. وكيف يمكن للدولة أن تراهن على حزب سياسي، قصد الضبط والتحكم، في وقتٍ يراكم رموزه الثروة، فيما تمر البلاد بوضع اقتصادي حساس وصعب جدا، فرض التراجع على أرباح رجال أعمال آخرين، لا موقع حكوميا لهم. فكيف، وعلى أي أساس، إذن، سيبني هذا الحزب "مسار الثقة" مع المغاربة؟
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري