المشير والنساء

المشير والنساء

30 مايو 2014

مصريات يهتفن للسيسي في القاهرة (أكتوبر 2013 Getty)

+ الخط -
في دواخل نفسي، يكمن سر، لا أعرف كنهه، أو مصدره، ولا كيف تَشَكل، ولا متى استقر هناك، يجعلني أربط دوماً، ودونما قصد، بين الرتبة العسكرية الأعلى والولع المَرَضي بالنساء. ما أن يرد ذكر المشير، كما يسمى في الهيكلية العسكرية المصرية، أو العماد وفق نظيرتها السورية، حتى أتخيله ذاهباً، بعد قليل، ليخلع نجومه، ونياشينه، وأوسمته، بل كل ملابسه، تحت قدمي عشيقةٍ، مختبئة خلف جدران الليل.
وقد حاولت، على مدى سنين، أن أكف عن هذا الربط، أو أن أُعدلَه، لأتخيل المشير- العماد في غرفة العمليات الحربية، بدلاً من غرفة النوم الحمراء، ولمّا لم أفلح، التمست لنفسي العذر، في الذي سمعت منذ طفولتي، وحتى كهولتي، عن قادة جيوش عربية كثر، من ذوي الرتبة إياها، كانوا مصابين بالشبق المنفلت من كل عقال، وغرقوا في الملذات، حتى آل مصير أحدهم، على سبيل المثال، إلى فضيحة شخصية نكراء، ومقرونة بهزيمة عسكرية مدويةٍ لجيشه، في حرب تاريخية فاصلة مع الأعداء، بينما ظل آخر، في منصبه، لا يتزحزح عن قمة جيشه المهزوم، حتى بعدما قدمت دول أوروبية احتجاجات رسمية لوزارة خارجية بلاده، على تحرشه بمواطناتها من الممثلات العالمية، وبعدما قيل، كذلك، إنه اشترط، مرّة، أن تزوره فنانة غربية شهيرة، كي يوقّع مع بلادها على صفقة سلاح لجيشه.
سبب الكلام في أمرٍ كهذا، يعود، بصراحة، ومن دون لف أو دوران، إلى تصريحاتٍ متكررة للمشير عبد الفتاح السيسي، المرشح المقرر فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية، يستدر فيها عطف المرأة حيناً، ويقول في نساء مصر وفتياتها ما لا يليق، أحياناً كثيرة.
صحيح أن السيرة المعروفة، أو المعلنة، للرجل، تخلو مما قد يبرر تصنيفه في قائمة "جنرالات الشبق"، غير أن أقواله، وما تعطي من إشارات متناقضة، في شأن موقفه من المرأة، باتت تستدعي التأمل.
لقد أطلق مؤيدو السيسي عليه مبكراً لقب "الذكر"، وهو لقب ربما يكون مهيناً، وذا مغزى مسيء لإنسانية الرجل، في ثقافات أخرى، لا تعاني ما تعانيه مجتمعاتنا، من خللٍ في نظرتها لمعاني الذكورة أو الأنوثة، وفي رؤيتها لمكانة المرأة بالمقارنة مع الرجل. لكن المشير، وحيث لم يقدم ما يشير إلى اعتراضه على وصفه بـ"الذكر"، ما انفك يخص النساء بحيّز لافت من خطاباته، وحواراته التلفزيونية، منذ ما قبل انقلابه على الرئيس محمد مرسي، يوم الثالث من يوليو/تموز 2013، وصولاً إلى ثالث أيام الانتخابات الرئاسية، في الثامن والعشرين من مايو 2014.
وإنصافاً للحقيقة، يصعب، هنا، إغفال التصريحات التي توجه فيها السيسي إلى الأم المصرية، بلهجة حانية، وصوت بالغ الانفعال، كي تشارك، وتدفع أبناءها، وأفراد أسرتها، للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، مثلما يصعب إغفال أقواله الجريئة، وفكاهاته المتكررة، عن إعجاب النساء المصريات بوسامة المتحدث باسم قيادة الجيش، وكذا عن مشكلات ستنشب في بيوت مصر، بسبب تعلق النساء المصريات به شخصياً.
أما الذي لا يمكن تجاهله، في حال من الأحوال، فهو ذاك الذي غاب، أو لعله سقط سهواً، من خطابات المرشح المتجه الآن إلى قصر الرئاسة، وأعني ألوف النساء المصريات اللواتي يكرهنه، من دون شك، لأنهن فقدن أزواجهن وأبناءهن برصاص جنده، ومثلهن اللواتي يرزح أزواجهن وأبناؤهن في سجونه، عقاباً لهم على اعتراضهم على انقلابه العسكري.
لذا، وبصرف النظر عن الخلاف المحتدم حول مشروعية وصول السيسي إلى كرسي الحكم، يظل من الأهمية بمكان، تحرّي سياساته المنتظرة نحو ضحايا الفقر والأمية والجهل اللواتي انتخبنه، ورقصن له في مراكز الاقتراع؛ أتراه يحترمهن أم يحبهن، ثم ماذا سيفعل، ليرفع الظلم الاجتماعي الاقتصادي عن معظم بنات جنسهن؟.
وواقع الأمر أن الفروق كثيرة وكبيرة بين رجل يحترم المرأة وآخر يحب النساء. من ذلك، مثلاً، أن الأول يتبنى قيماً اجتماعية وحقوقية، تقوم، أساساً، على مبدأ مساواة الجنسين، ورفض التمييز، لصالح الذكر على حساب الأنثى، في حين أن الثاني لا ينظر إلى "هذه المخلوقة" التي تشكل نصف المجتمع، إلا باعتبارها وسيلة، أو أداة، لتحقيق رغباته، ومآربه، الجنسية منها، وغير الجنسية.

 
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني