المستقبل يتجاهل عوامل قوته قبل الحوار مع حزب الله

المستقبل يتجاهل عوامل قوته قبل الحوار مع حزب الله

17 يناير 2015
دخل تيار المستقبل الحوار ضعيفاً (جان هانوب/فرانس برس)
+ الخط -

عقد تيار المستقبل وحزب الله جلستي حوار في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في العاصمة اللبنانية بيروت. التقى الشريكان في حكومة واحدة، على "أرض محايدة" وبواسطة من بري والنائب وليد جنبلاط. رفع إعلام الطرفين، شعار تخفيف الاحتقان المذهبي كعنوان أساسي يجري البحث فيه. لم يوضح هذا الإعلام عن مُسبب هذا الاحتقان. هل يتحمّل الطرفان مسؤوليّته؟ أم أنهما كانا قادرين على وضع حدّ له من زمن ولم يفعلا؟ في الحالتين هذه خيانة للبنانيين، يتحمّل الطرفان مسؤوليتها. فقد سقط قتلى وجرحى نتيجة هذا الاحتقان، وتراجع الوضع الاقتصادي. لا يحتاج المرء إلى كثير من الجهد لإثبات أن تيار المستقبل وحزب الله لا يعملان انطلاقاً من المصالح الوطنيّة اللبنانيّة، بل من المصالح المذهبية الضيقة، ومصلحة الراعي الإقليمي لكلّ طرفٍ.

وفي هذا الإطار خرجت أصوات شيعيّة تقول إن حزب الله تجاوز المصالح الطائفية، وأعطى الأولوية المطلقة للراعي الإقليمي، عبر "توريط الشيعة اللبنانيين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في سورية". يكثر النقاش حول مدى صوابية خيار حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري. ويخوضه بعضهم من موقعه في الطائفة الشيعيّة، فيما يخوضه آخرون من منطلقات وطنيّة؛ من دون تجاهل أن جزءاً ثالثاً يخوضه من منطلق مذهبي. لكن ماذا عن تيار المستقبل؟

راهن تيار المستقبل على سرعة سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. قال زعيمه سعد الحريري ما معناه، إنه لن يعود إلى لبنان إلا عبر مطار دمشق الدولي. ودفع عقل التيار الأمني، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن حياته ثمن مساعدة المعارضة السورية على مستويات مختلفة (أمنية وسياسيّة وإغاثية وعسكرية). ومع خسارة الحسن، الذي اغتيل بسيارة مفخخة في بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2012، خسر تيار المستقبل العقل الذي فكّر بإدارة ملف الثورة السورية وارتباطاتها بلبنان. ثم جاء اغتيال الوزير السابق محمد شطح في ديسمبر/كانون الأول 2013 ليؤذي تيار المستقبل أكثر وأكثر، إذ إن شطح كان أحد أهم أعضاء الخلية الضيقة في التيار ويملك علاقة قوية مع العديد من الدبلوماسيين.

في المحصلة، بات تيار المستقبل جسماً كبيراً، يُعاني من صعوبة في فهم وتحليل كميّة المعطيات والمتغيرات. ففي سورية، كان التحوّل سريعاً في العام الماضي. سيطر الإسلاميّون المتشددون على المشهد. وضعت السعوديّة هذه الفصائل على لائحة الإرهاب. في لبنان، احتل مقاتلون إسلاميّون متشددون بلدة عرسال (شرقي لبنان) لأيام عديدة، وخطفوا وقتلوا جنوداً لبنانيين.

في هذا الوقت كان تيّار المستقبل يتراجع عن إحدى لاءاته السابقة، ويُشارك مع حزب الله في حكومة واحدة. ثم دعا وزير الداخليّة نهاد المشنوق (أحد صقور المستقبل) مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا إلى اجتماع أمني رسمي في وزارة الداخليّة ضم قادة الأجهزة الأمنيّة. ثم غطّى لاحقاً سيطرة حزب الله والجيش السوري على بلدة الطفيل اللبنانية وتهجير أهلها اللبنانيين منها. واليوم تم الوصول إلى الحوار. دخل "المستقبل" الحوار في هيئة المهزوم. وضع عنوانين للحوار كما يقول مسؤوليه، الأول تخفيف الاحتقان، والثاني انتخاب رئيس للجمهوريّة. في البند الثاني، تخلى "المستقبل" عن جميع عناصر قوته قبل الحوار، عبر التراجع عن ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

لكن الأسوأ أن "المستقبل" بدأ الحوار قبل تنفيذ حزب الله ما التزم به في الحوار "الأولي" الذي خاضه المشنوق مع صفا. إذ إن المشنوق نفسه، رفع الصوت حول عدم تطبيق الشق المتعلق بالبقاع في الخطة الأمنيّة. لكن الأهم من ذلك، أن تيّار المستقبل لم يستطع بأي شكلٍ الحصول على موافقة حزب الله على إقامة مخيمات للاجئين السوريين، رغم أن المشنوق تلقى في البداية إشارات بأن حزب الله يوافق على المخيمات.

وبالتالي، جاءت أولى نتائج الحوار على شاكلة فرض تأشيرات دخول على اللاجئين السوريين، أو بعبارة أخرى: ممارسة المزيد من التضييق على اللاجئين. وقد افتتح عهد التضييق هذا في حكومة الرئيس تمام سلام. وكان الفلسطينيون من أصل سوري، الذي لجأوا إلى لبنان الضحية الأولى. وتولّى الوزيران نهاد المشنوق ورشيد درباس عمليّة التضييق على اللاجئين، والوزيران يمثلان تيار المستقبل.

ومع بدء الحوار أيضاً، عاد الضغط يطال الإسلاميين. وبدأ تسريع المحاكمات، ولكن بشكلٍ متسرّع. إذ بدأت الأحكام بالصدور، وأغلبها كان مبالغاً فيه. ويبدو أن تيّار المستقبل، اختار التضييق أكثر على الإسلاميين بدلاً من استيعابهم. وبدأ هذا التضييق يطال شخصيات إسلامية متفق على اعتدالهم.

في العموم، ما كاد تيار المستقبل يبدأ الحوار مع حزب الله حتى تخلّى عن اللاجئين السوريين، وعن الإسلاميين. وكما يقول أحد ثعالب السياسة في لبنان، فإن تيار المستقبل "هو أم الصبي" فيما يخص ملف اللاجئين، و"عندما يتخلّى عنهم تيار المستقبل لا يُمكن فعل الكثير لحمايتهم". المنطق يقول إن الطبيعة تكره الفراغ. فإذا ما أصرّ تيار المستقبل على التخلي عن اللاجئين والإسلاميين، سيجد هؤلاء من يحضنهم. ولا تحتاج جبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلاميّة الكثير للقيام بهذا الدور. أصلاً باتوا يملكون تأييداً في أوساط تيار المستقبل؛ من لا يُصدق فليزر طريق الجديدة في بيروت أو عرسال (شرقاً) أو صيدا (جنوباً) أو مناطق الشمال.

يملك تيار المستقبل عوامل قوة كثيرة، لكنه تخلّى عنها في حواره مع حزب الله. فهو يُمثّل أكبر تكتّل طائفي في لبنان (السنّة، لبنانيون وسوريون وفلسطينيون)، وهو في موقع قوة لا ضعف، إذ إن الحاجة إليه ضرورية لمحاربة التشدد. في المقابل، فإن حزب الله مأزوم. فائض القوة لديه لم يعد يُسعفه. قتاله في سورية تحول إلى استنزاف بلا أفق سياسي. كما يُعاني الراعي الإقليمي (إيران) من أزمة مالية تتفاقم يوماً بعد آخر بسبب تراجع أسعار النفط. كما أن جسمه يُعاني من أخبار فساد هنا وهناك، وخروقات أمنية على مستوى القيادة. لكن تيار المستقبل تخلّى عن عوامل قوته، ودخل الحوار ضعيفاً.

دلالات