المتعة أم البطولات؟ قل الحقيقة يا فان خال

المتعة أم البطولات؟ قل الحقيقة يا فان خال

24 يونيو 2014
فان جال أثبت أنّه مدرب يعرف كيف يدير المباريات(Getty)
+ الخط -

"الرياضة ليست مجرد تقنيات فقط، وإنما فيها الاستراتيجية والعامل الشخصي، أنا لدي استراتيجية دائماً" يقول الخال لويس عن نفسه هذا الكلام في مقابلة سابقة مع موقع "الفيفا" حينما سُئل عن طريقه فهمه لكرة القدم، إنه فان جال الذي أسس لنفسه مدرسة كروية خاصة جداً بعد قيادته لتلامذة أياكس نحو اللقب الأوروبي الكبير منتصف التسعينيات ليبدأ دائرة الرحلة مع عمالقة أوروبا في برشلونة وميونخ وبقية الأندية التي قادها.

مع وجود هولندا في مجموعة قوية تضم إسبانيا، تشيلي وأستراليا، توقع غالبية المتابعين أن أكبر إنجاز من الممكن أن يقدمه المنتخب البرتقالي هو الصعود كثاني المجموعة خصوصاً مع قوة المنافسين ومهارة لاعبيهم، لكن "الطاحونة" دارت من جديد وأحرجت  الجميع لتتصدر المجموعة برصيد تسع نقاط  من ثلاثة انتصارات متتالية، لترسل إنذاراً إلى كل المنافسين، أن الزمن الجميل سيعود مرّة أخرى .

 فان جاليستين 
تعبير "فان جالستين" معروف بشدة داخل الأوساط الكروية الهولندية حيث إن هذه الكلمة تشير إلى جنون فان جال وتعصبه الشديد لرأيه ولأفكاره مع معاملته الجافة لمن يختلف معه، لذلك حينما قامت الدنيا في ألمانيا على بيب جوارديولا بعد الإقصاء الأوروبي، خرج الفيلسوف إلى وسائل الإعلام مؤكداً أنه لن يتخلى أبداً عن مبادئه الكروية، وإن الفشل يتحمله كاملاً لكنه ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بالكرة الهجومية، بل بسبب الاستغلال الخاطئ للأدوات المتاحة، والتنفيذ السيء له ولفريقه .

كلمات جعلت جماهير الكرة تتحدث عن بيب وتهمس بأنه تصرف وكأنه "فان جاليستين"، ومع المونديال الحالي فإن الخال قرر أن يضع خطته وفقاً لإمكانيات وقدرات لاعبيه، إصابة ستروتمان وعدم وجود لاعبين قادرين على التمرير في الوسط والدفاع، كلها أمور أجبرته على اللعب بأسلوب متحفظ والبقاء بالخلف حتى استغلال أخطاء الخصم .

فعلها أمام إسبانيا وفاز بالمرتدات القاتلة وبالنقل السريع للكرة، ثم أعاد الكرة من جديد أمام المنتخب اللاتيني الشرس، هولندا لعبت بنفس طريقة لعب تشيلي لكن مع قلبها للنموذج الآخر، بدأ سامبولي دائماً بـ (3-5-2) بينما رد فان جال بـ (5-3-2)، صريحة دون تأويل، ثلاثي دفاعي مع ثنائي أطراف يتمركز أكثر في الخط الخلفي.

يضغط وسط تشيلي بشكل فعّال، استخدام ثنائي صريح في الارتكاز وأمامهما لاعب ثالث مع مساندة من الأطراف، استراتيجية أوجدها اللوكو بيلسا وكررها حليق الرأس من بعده ليصنع للمنتخب رونقاً وأسلوباً خاصاً بهم، وتعامل فان جال مع الضغط التشيلي بذكاء شديد، من خلال الاعتماد على أسلوب الرقابة الفردية في خط الوسط لمفاتيح لعب تشيلي مع تغطية المساحات بنظام رقابة المنطقة .

دفاعياً، استعمل المدرب بليند بيّن الطرف والعمق لمراقبة سانشيز أهم لاعبي التشيلي، وحينما ينشغل لاعب أياكس الشاب بنجم برشلونة، يعود كويت للخلف لكي يقوم بدور الظهير الصريح لإيقاف تقدم الجناح إيسلا، تكتيك أجبر سانشيز على الهروب من ثنائية بليند وكويت بالتحركات المستمرة لكن دون جدوى .

إغلاق العمق تماماً جعل المنتخب المنافس يفكر في محاولة فتح الأطراف وتقدم الأظهرة لمساندة لاعبي الهجوم، فكرة جعلت اللاتينيين في وضعية أفضل أسفل الأجنحة لكنها أفقدتهم لاعب وسط إضافي في العمق، حيث أن ثلاثي الوسط الهولندي ضد ثنائية الارتكاز التشيلية تجعل التحكم بزمام المباراة في يد منتخب الخال من البداية حتى لنهاية، وحين تسيطر على الوسط، تكون في أمان كبير .
 البطولات أم الأداء؟
هناك استراتيجية هجومية وأخرى دفاعية، منتخبات تأخذ الفعل وأخرى تكتفي برد الفعل، يوجد بعض الحالات الخاصة التي تلزمك على تبديل خطتك في بعض فترات المباراة، كمثال منتخب إسبانيا عندما يشرك توريس البطيء، أو ألمانيا حينما تلعب بكلوزه في بعض المباريات المغلقة، عناصر تقلل من تناغم وتكامل المنتخب لكنها ضرورية في بعض المواقف المصيرية.

هناك منتخبان فقط يلعبان بنفس الأسلوب وقمة التناغم بينهما كان المنافس، ميلان اريجو ساكي، و"البرسا" جوارديولا، مهمة صعبة جدا ودقيقة للغاية، فكرة غير عادية وأسلوب بعيد كل البعد عن التقليدية.

لكن هذه الراديكالية الكروية لا تدوم طويلاً، وأكبر دليل خروج ساكي من إيطاليا، وانتقال بيب إلى ألمانيا والصعوبة الكبيرة التي يجدها في تطبيق أفكاره حتى هذه اللحظة، ومع السمعة الهولندية القوية الخاصة بالأداء الجمالي البديع والخسارة في اللحظات الأخيرة، حكاية بدأت في نهائي 1974 ثم تكررت في 1978 ووصلت إلى قمتها في نصف نهائي 1998 ليصبح المنتخب الهولندي هو أعظم منتخب لم يفز بكأس العالم على الإطلاق .

وربما فان ميرفيك أراد البطولة في 2010، لكنه قدم أداءً قبيحاً لدرجة أن الأسطورة يوهان كرويف هاجمه مراراً وتكراراً رغم وصوله إلى النهائي في جنوب أفريقيا، هذه المرّة فان جال يلعب بأسلوب متوازن، من الظلم والإجحاف أن نقول إن هولندا تلعب كرة سيئة، بل على العكس المنتخب يمتاز بتوازن كبير وبأسلوب تكتيكي محكم، لا يوجد أداء هجومي كبير ولا استحواذ مضاعف ولا تمريرات بالجملة، لكن في النهاية، المنتخب يحافظ على الشعرة الفاصلة بين الكرة ومن يعاديها .

وأثبت الخال للجميع مقولة ساكي الشهيرة، الأندية العظيمة ليست فقط من تهاجم بل من تدافع أيضاً، لكن الصعوبة والتحدي الأكبر يكون للأندية الهجومية لأنها من تضع السؤال ومنافسيها من يجاوبون عليه، هولندا في البرازيل 2014 اختارت أن تتخلى عن ورقة الأسئلة في سبيل الحصول على كراسة الإجابة، لتنافس على كأس العالم التي عُرف بابتعاده من البداية عن أي محاولة للمبادرة للحصول عليها.

المساهمون