المافيا.. هل تفاوض الكرادلة؟

المافيا.. هل تفاوض الكرادلة؟

01 يوليو 2014
+ الخط -


قرار البابا فرنسيس، الجريء، بالحرمان الكنسي لرجال المافيا في إيطاليا، قرار من النوع الصريح الصادم، يخلو من زيف الديبلوماسية وحذرها، كما أنه قرار على نياته، فالبابا وقد أعلنها من فوق المنبر بصراحة، بأنه لا مجال للشراكة بين المؤمنين والمجرمين في الكنيسة، فقد عرّى أصحاب السلطة والنفوذ، وهذا بالكشف الصريح عنهم.

هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها البابا لفظ الحرمان، أو العزل، والذي يعني قطع الصلة، أو العلاقة بين الشخص والكنيسة، أو الطرد من الشراكة الإيمانية. على الرغم من أن البابا قال هذا ارتجالياً، فى عظته في إقليم كالابريا في جنوبي إيطاليا، حيث معقل منظمة ندراجيتا الإجرامية، إلا أنه أكد، في ارتجاله، أن الكنيسة ستبذل كل ما في وسعها لمحاربة الجريمة المنظمة المنتشرة في هذه المنطقة من إيطاليا.

لكن المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأم سرعان ما أنكر المنع البابوي، مؤكداً أن ما قاله البابا لا يعد قراراً رسمياً، بل هو أشبه بالانتهار أو التوبيخ للأشرار، وهذا يعد تخفيفاً من وطأة تصريح البابا، على حد قول المتحدث الرسمي.

على الرغم من ذلك التصريح للمتحدث الرسمي، إلا أنه يتعارض بوضوح مع فكر البابا المهتم بالإصلاح، فعمومية التصريحات وقطعيتها بشأن محاربة جريمة أعضاء المافيا، تشير إلى أنه يقصد، فعلاً، استئصال الشر من جذوره، عبر حرمان حقيقي، وليس انتهارياً، أو توبيخياً، كما ادعى المفوه الرسمي باسم الكنيسة.

أبعاد هذا القرار الصادر عن البابا، في حال طُبق فعلاً، أو صدر في شكل رسمي مُقنن، تعني أن الكنيسة ستوصد أبوابها في وجوه رجال العصابات المنظمة، ما يعني الرفض والعزلة لهؤلاء، لكن السؤال هنا: كيف سيتعامل هؤلاء المجرمون المحرومون مع الكنيسة، والبابا خصوصاً، كونهم رجال قوة وسلطة ومال، ولهم من الغدق المالي على الكنيسة ما يصعب إنكاره.

كشف البابا، في تصريحه الناري هذا، ظهور هؤلاء، وشحن الجميع ضدهم من دون مواربة، ومن ثم فتح باب المواجهة الصريحة بين الكنيسة الكاثوليكية الأم، التي تضم أكبر أعداد للمسيحيين فى العالم، مع هذه العصابات المنظمة، التي تقتات من قوتها وبلطجتها حول العالم، فهل في ذلك خطر حقيقي على البابا، أم أنها عاصفة وسوف تمر بسلام، إذا ما تدخل الكرادلة وباقي الوسطاء.

هذا لأن لها أنشطة واسعة داخل إيطاليا وخارجها، فهناك فروع لها في البرازيل وكندا والولايات المتحدة وكذلك فنزويلا،  أي أن الأمر لا يتعلق بحيز مكاني ضيّق لممارسة النشاط الإجرامي. أضف إلى ذلك أن البرازيل وفنزويلا من الدول التى تنتشر فيها الكاثوليكية ديانة رسمية، والبابا بقوله بحرمان أعضاء المافيا من الكنيسة يعطي إشارة واضحة الدلالة إلى أن القادة المقصودين من الحرمان هم أعضاء في الكنيسة ومشاركون فاعلون في أنشطتها، الأمر الذي يعنى أنهم من أهم دافعي العشور والتبرعات، فهل من وراء ذلك علاقات خاصة بين رجال دين وأعضاء المافيا، في شكل صكوك غفران، وإذا ما كان الأمر كذلك، فهل يعرف البابا عن هذه العلاقات شيئاً أم أنها تؤخذ طي الكتمان والسرية.

لا شك أن طريقة التعامل مع المشكلة هي التي ستحدد كيفية حلها، فهل سيتدارك البابا فرنسيس الأمر بنفسه، ويصححه، بعدم إصدار قرار كنسي بالحرمان، أم سيصمم على موقفه، ومن ثم تصبح حياته في خطر حقيقي من المافيا التي ستدافع، من دون أدنى شك، عن بقائها بالوسائل والسبل كلها، ولو كان في مقابل ذلك حياة البابا نفسه.

avata
avata
إبراهيم صالح (مصر)
إبراهيم صالح (مصر)