المنتحرون الجدد
لا أشك البتّة في أن السبب وراء هذا الاختيار الأعمى للانتحار اليومي الذي نراه، ونسمع به، هو الواقع اللامعقول الذى يعيش فيه الشعب المصري، بعد سيطرة الانقلابيين على الحكم، إنه الواقع المشوّش الذي يختلط فيه الكذب الصريح من السلطة غير الشرعية بالنفاق المؤيد ممّن يتبعونها، ويسيرون على دربها.
وصل المصريون إلى حالة يأسٍ قصوى من معيشتهم، حتى باتوا يفضّلون الهروب من الحياة والواقع إلى ظلمات الموت المجهول، هذا لأنهم لم يتوقعوا يوماً، وبعد ثورة بيضاء ناصعة، فعلوا فيها كل شيء يستحقون عليه الإثابة والتعويض، أن تصل الأمور في مصر إلى هذا الحد من التغييب والتزييف في كل شيء.
لم يكن المصريون يتخيّلون أن يجري إفشال ثورتهم التي رفعوا لها شعار البساطة والأمل: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وقلب الواقع عليهم بهذه الصورة، ممّن هم في الأصل ملك لهم، وفي أعناقهم شرف حمايتهم.
هناك حالة حزن وكآبة تسيطر على مصر والمصريين، حالة لم يُسطّر لها علم النفس، حتى الآن، مسمّىً علمياً مناسباً، بحيث يتّفق مع وضعيتها الكائنة، والغريب في قصة انتحار المصريين هو كيف لشعب أن ينتحر هكذا؟
سمعنا عن انتحار أفراد، وسمعنا عن انتحار مجموعات، لكننا لم نرَ شعباً ينتحر بهذا الشكل اليومي. ولكن، لأننا نذوق واقع الحياة المر في مصر، ولأننا من زبائنه، فإننا نرى كم هو الفساد المتفشي الآن في مصر، نراه وقد تخطى كل حدود المقاييس والمعايير العالمية، المتفق عليها، في كل المناحي السياسية والعلمية والحزبية.