الكرديّة: سِحرُ المُقاتِلَة الكوبانية في شرق "داعش" الذكوريّ

الكرديّة: سِحرُ المُقاتِلَة الكوبانية في شرق "داعش" الذكوريّ

20 أكتوبر 2014
مقاتلة كردية شمالي حلب (ديميتار ديلكوف /AFP/Getty)
+ الخط -


العرب يريدون أن يعرفوا أكثر عن "المُقاتِلَة الكرديّة"، ربّما بعدما ملّوا من أخبار "المُقاتِل" الداعشيّ ودمويّته.
فهنا قد تجد خبراً عن الكرديّة التي قتلت نفسها لئلا يأسرها الدواعش. وهناك صورة المرأة الشقراء التي قطع مقاتل داعشيّ رأسها الجميل. وهنالك خبر عن 500 مقاتلة كرديّة، على الأقلّ، يصنعنَ التاريخ دفاعاً عن عين العرب، أو كوباني، المتروكة من العالم كلّه.
لا أحد يريد أن يقرأ عن المسألة الكردية. لا أحد يريد أن يعرف أكثر عن عين العرب، أو كوباني. ولا أحد يريد أن يعرف عن علاقة تركيا والتحالف العالمي الجديد بترك كوباني على رصيف العالم بانتظار تسوية تركية – أميركية حول الأكراد.
ما يريد الجميع أن يعرف عنه هو "المقاتِلَة الكردية". هذا السحر الكبير المؤلّف من كلمتين: مقاتلة + كردية. كلمتان تصنعان معنى إكزوتيكياً. معنى غريباً على أدبياتنا العربية ويومياتنا. خصوصاً لمن لم يرَ كردياً طوال حياته، إن في لبنان أو المغرب العربي أو الخليج العربي. وبالتأكيد لمن لم يرَ مقاتِلَة طوال حياته، في أيّ من أنحاء الوطن العربي.
فمن أين يأتي هذا السّحر الذي يكاد يعادل "الاستشراق" في دهشة الناظرين إليه؟
كثيرون منّا رأوا في السنوات الأخيرة المرأة العربية في الشارع، تتظاهر، تصرخ على شاشات التلفزيونات، تطالب بالحريّة، بحقوقها، بتغيير النظام، بطرد رئيس أو تغيير قانون، لكنّ أحداً منّا لم يرَ امرأة تحمل السلاح وتلبس البدلة العسكرية وتطلق النيران.
في شرق ذكوريّ، تملؤه الحروب، التي أبطالها من الذكور حصراً، وتنتشر أخبار القمع، قمع الرجال والنساء، والنساء أكثر من الرجال، إن في طهران الخمينية أو في الرقّة الداعشية أو في كربلاء الشيعية. وفي شرق حيث لا تزال المرأة تحاول الحصول على الحقّ في قيادة السيّارة داخل بعض الدول العربية... في هذا الشرق الملتهب بالموت والنيران، وبالسيف والرؤوس المقطوعة، تكاد المرأة تكون "غير مرئية"، ما عدا بعض الحريّات الملتبسة والإشكالية في لبنان، وبعض الأدوار المتقدّمة للمرأة المقاوِمة في فلسطين.
وسط هذه الغابة من الدمار والقتل والذكورة الفائضة، نكتشف فجأة أنّ هناك مجتمعاً يعلي من شأن النساء ويعطيهنّ حريّة القرار والحركة، إلى حدّ أنّه يقبلهنّ مقاتلات بين الرجال. وهنا لبّ الدهشة وأصلها. إذ إنّ "القتال" في المفهوم الذكوري الشرقي العربي هو وظيفة الرجل. واختلاط الوظائف بين صورة "المقاتِلَة" وصورة "المرأة المنقّبة" الطاغية في أكثر من بلد عربيّ، يخلق ارتباكا لدى المتلقّي ورغبةً في معرفة المزيد عن هذه المرأة.
زِد على ذلك أنّ هذه المرأة تكاد تكون هي "الصورة" الوحيدة الآتية من معارك عين العرب، أو كوباني. قد لا يتخيّل بعض القرّاء صورة رجل كرديّ يقاتل بقدر تخيّلهم امرأة كردية تقاتل. والقتال فيه احتمال الموت طبعا. لكنّه موت أنثويّ. موت رومانسيّ، إذا صحّ التعبير.
والتاريخ مليء بالموت الرومانسيّ. على سبيل المثال العشوائي من ينسى صيدا التي أحرقت نفسها رافضة الاستسلام للملك الفارسي أرتحششتا الثالث ومن ينسى الثائر الشيوعيّ أرنستو تشي غيفارا، الذي رفض الاستسلام إلى أن قتلته الاستخبارات الأميركية في غابات بوليفيا... وصولا إلى "المرأة" التي تقاتل التنظيم الأكثر وحشية ودموية وذكورية في التاريخ، المرأة الكردية، في وجه "داعش" الذكوري.
هي صورة المرأة، التي خرجت من المنزل ومن "الصندوق" الاجتماعي إلى "القتال" دفعة واحدة. تماماً كما خرجت المرأة الأوروبية من المنزل إلى مصانع الأسلحة دفعة واحدة خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب نقص الرجال. وبعد الحرب خرجت إلى سوق العمل أكثر وطالبت بالتعليم وبحقوق إضافية.
قفزة واحدة وكبيرة جدّاً للمرأة في هذا الشرق الذي يئد النساء بأشكال حديثة. إذ حتّى بيروت تمنع النساء من إعطاء جنسيتهنّ لأولادهنّ. وتسلبهنّ حقّ الحضانة. لكن من هناك، من عين العرب، أو من كوباني، خرجت علينا النساء في أبهى ما يمكن من صورة.
امرأة هي نفسها تحبّ وتتزوّج وتُنجِب، وأيضاً تقاتل وتدافع عن الرجال والأطفال. صورة جميلة ونادرة، استحوذت على اهتمامنا، بعيداً عن السياسة، في شرق نتخيّله أكثر أنوثة، وأقلّ ذكورة.

المساهمون