القمح السوري.. المجاعة على الأبواب

12 مايو 2014
تراجع حاد في إنتاج القمح السوري (أرشيفية/getty)
+ الخط -

يتّجه إنتاج القمح في سورية العام الجاري ليصل إلى أقل مستوياته منذ عشرات السنوات، وليصبح واحداً من أسوأ مواسم الحصاد. وأرجع المختصون الأسباب إلى الحرب الدائرة التي أدت إلى خسارة مساحات كبيرة كانت مخصصة لزراعته، فضلاً عن التكاليف الباهظة بسبب الاضطرابات الأمنية وصعوبة المواصلات والجفاف الذي يضرب المنطقة.

وحذّر مدير الزراعة في مدينة "حلب الحرة"، عبد الوهاب طيفور، من نتائج وخيمة للحرب المتصاعدة على إنتاج القمح، قد تؤدي إلى مجاعة وشيكة تطرق أبواب السوريين هذا العام.

وكان المعدل السنوي للإنتاج السوري من القمح، قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، حوالى 5.3 ملايين طن، لكن معظم التوقعات للمصادر المسؤولة والمختصين، تفيد بإن إنتاج هذا العام قد لا يتعدى مليون طن في أحسن تقدير.

وأورد تقرير صادر عن "الفاو" في عام 2012، أن سوريا قد تكون بحاجة إلى استيراد 4 ملايين طن من القمح لسد احتياجاتها، فيما يزعم مدير المؤسسة العامة للحبوب بنظام بشار الأسد، سليمان ناصر، بأن النقص لا يتجاوز 40% من حاجة البلاد.

حرب على الفلاحين

وتقدّر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في سورية، بحوالى 6 ملايين هكتار (الهكتار = 10000 متر مربع = 2.471 فدان) تشكل حوالى ثلث مساحة البلاد، فيما تشكل نسبة العمالة الزراعية 25% من حجم القوة العاملة السورية.

المزارع محمد الحسن، قال: انتقلتُ من زراعة القمح إلى زراعات أخرى تدرّ أرباحاً أكثر، مثل البطاطا والبقوليات، وذلك لعدم ضمان تسويق محصول القمح.

وأشار إلى أنه في العام الفائت لم يسوّق محصوله من القمح إلا بأسعار زهيدة، وأقل من الكلفة.

ولفت صاحب أرض زراعية، عبد الغني، إلى أن الفلاح السوري تعرض دائماً إلى ظلم ممنهج، فالدعم الذي كانت تقدمه الحكومة شحيح، رغم أن سورية بلد الخيرات، إلا أن النظام السوري فضّل محاربة الفلاح.

وأضاف: رغم ذلك، حققت سورية الاكتفاء الذاتي في سنوات سابقة، وتجد الفلاحين من أفقر الشرائح الاجتماعية السورية.

وأوضح المهندس الزراعي، معن ناصر، أنه تترتب على المزارع نفقات هائلة، ولا سيما بعد ارتفاع أسعار الأسمدة والمحروقات والجفاف الذي ضرب الموسم هذا العام وما يشكله من خسائر مادية يتحملها الفلاح منفرداً، بالمقابل فإن أسعار القمح رخيصة نسبياً، إذ لا يتعدى ثمن الكيلوجرام الواحد ثلث دولار أميركي.

وأكد المهندس الزراعي، عبد الوهاب ناصر، أن المجلس الزراعي التابع للمعارضة، كان قد أعدّ مشروعاً متكاملاً لشراء المحصول من المزارعين، إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، وذلك بسبب عدم تأمين الرصيد المالي، والذي قُدّر بحوالى 11 مليار ليرة سورية، وألقى باللوم على "الائتلاف السوري" والدول المانحة.

غموض حول المخزون

وكان لدى سورية مخزون استراتيجي من القمح منذ عام 1988، وحتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

وتعود بداية النقص في المخزون إلى العام 2010، وذلك عندما أقدم النظام على بيع كميات هائلة من القمح، ومن ثم أحجم الفلاح السوري عن بيع محصوله للنظام بسبب ارتفاع أسعار السوق السوداء، ما اضطر النظام لإصدار قوانين تحرّم المتاجرة بالقمح وتجبر المزارع على بيعها لمؤسساته (الصوامع).

وتغيب حالياً التقديرات الحقيقية لحجم المخزون، إلا أن كثرة الصفقات التي يعقدها النظام لشراء القمح، تفيد بأن المخزون صار دون المطلوب.

وقال خبير مالي واقتصادي، فضّل عدم الكشف عن اسمه: تفيد معظم التوقعات بأنه يتوفر حوالى مليوني طن من القمح في محافظتي الحسكة والرقة، وبأن هذا المخزون خارج سيطرة النظام. فمدينة الرقة تقع تحت سيطرة "داعش"، أما الحسكة، التي تعدّ سلّة سورية الغذائية، فهي بدون شبكة للمواصلات تربطها بالعاصمة، بعد سيطرة "المعارضة المسلحة" على أجزاء كبيرة من الطريق الواصل بين المحافظة والعاصمة.

وأضاف: من خلال تصريح المدير العام لمؤسسة الحبوب، بإن المؤسسة سوف تعطي لكل مزارع قادر على إيصال القمح من محافظتي الحسكة والرقة إلى دمشق مكافآت مالية، يبرهن أنه غير قادر على تأمين مادة القمح، ويستجدي غذاءه من المزارعين، مع أنه ما زال يعتبر نفسه شرعياً ووصياً على شعبه!

وضع سيئ

وكانت مديرية الزراعة في مدينة الحسكة، قد أكدت بأن وضع محصول القمح لهذا العام سيئ للغاية.

من جانبه، قال رئيس اتحاد الفلاحيين في محافظة الحسكة، صالح حمادي خضر، إن التوقعات الانتاجية لهذا العام قد تكون منخفضة للغاية ودون التوقعات، فيما أفاد المهندس الزراعي، معن ناصر، بأن "كل المؤشرات التي تأتينا من المحافظات، ولا سيما من الحسكة وحلب، تفيد بأن المخزون قد تلاشى، وأنه في ظل مؤشرات هذا العام، من المستحيل تعويض النقص في المخزون. هذا إن بقي مخزون أصلاً".

وكانت وكالة "رويترز" أوردت أن سوريا قد تشهد أسوأ محصول للقمح منذ 40 عاماَ، وذلك بسبب الحرب والجفاف.

خبير اقتصادي، رفض ذكر اسمه، ذكر مؤشرات تفيد بأن صفقات نظام بشار لاستيراد القمح قفزت إلى 4.2 ملايين طن للعام 2013، مقارنة بـ550 ألف طن للعام 2012.

فيما أرجع وزير الزراعة والموارد السورية في الحكومة المؤقتة السورية الحرة، التابعة للمعارضة، انخفاض المخزون إلى سبب إضافي وهو نقص كمية الأمطار الهاطلة في هذا العام.

دعم المزارعين

أحد مزارعي القمح، شريف عباس، أوضح بأن الحل يأتي عبر دعم الفلاح، بدءاً من توفير الاسمدة والبذور المحسّنة، إلى تأمين المحروقات بأسعار معقولة، وتوفير التسويق عند انتهاء الموسم.

وتستعين "المجالس المحلية"، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، في تأمين مادة الطحين بمصادر إغاثية تقوم بتوزيع هذه المادة مجاناً، وأحياناً تشكل لجاناً لشراء القمح من السوق السوداء، ومن ثم تقوم بطحنه ليباع إلى الأفران بسعر الكلفة.

ويغطي النظام النقص عن طريق التهريب، الذي يؤمّنه التجار من المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر عقود صغيرة وصفقات فردية من خلال سوق البحر الأسود (أوكرانيا وجورجيا).

المساهمون