القضية السورية تُغير النظام العالمي

القضية السورية تُغير النظام العالمي

07 نوفمبر 2016
+ الخط -
استخدم الفيتو خمس مرّات، وما زال بعضهم يترّقب الحل السياسي، لنكون أمام سؤال: من أين سيهبط الحل السياسي إذا كانت الجهة الأكثر قدرة على فرض الحل السياسي غير قادرة على ضبط إيقاع نغمات الروس في مجلس الأمن؟
كان العالم على موعد جديد لازدواجية الحل السياسي في سورية، ففرنسا رغبت باستغلال الوضع الإنساني والعسكري في حلب على أمل أن تكون منصة حلّ تشمل كافة الأراضي السورية، وتكون حلب مسرح التفاوض على المرحلة الانتقالية، ولكن بالمقابل كان مصاصي الدماء يترقبون لنقض مقترح إنقاذ سورية. النقطة المشتركة بين روسيا وفرنسا هي حلب، والهدف المشترك هو السيطرة، لكن الوجهة والمصلحة تختلف حيث رغبت روسيا باستمرارية السيطرة على حلب لتكون المعارضة خالية الوفاض عسكرياً وسياسياً في أيّ جولة حوار مرتقبة.
الحال كهذه، باتت القوة الأوروبية مهترئة في الصراع السوري أمام التغوّل الروسي، بسبب سياسة الاعتقاد أنّ هذه الدول الخمس لن تكون شريكة أبداً في الجرائم ضد الإنسانية. روسيا لم تكتف بإهانة القوة العسكرية الأوروبية، بل إنّها تجتاز المسافات بسرعة تفوق سرعة التفكير حول سبب الصمت الأميركي المخزي تجاه الشعب السوري والمأساة السورية.
لو وجدت الإرادة السياسية الأوروبية والأميركية في إنهاء الصراع في سورية، لكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة مسرح لعروض فض النزاع والتفنّن في إيجاد حلول مع استمرار روسيا في امتلاك مفتاح مجلس الأمن عبر مساواة صوته مع أصوات الدول دائمة العضوية. لعلّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج ببند يتعلّق بفرض السلام وإنهاء الحرب والنزاع، حينها ربّما تتنفس أوروبا وأميركا الصعداء مع تكاتف عدد معين من الأصوات للخروج بحل لأجل السلام في سورية، حينها ربما لن تكون جنيف مجرد نزهة روسية للاستجمام، بل ربّما تتحوّل إلى لقاءات مثمرة للبت النهائي في نوعية المرحلة الانتقالية حول مشاركة النظام من عدمه في المرحلة الانتقالية.
إذا كانت فرنسا وروسيا رغبتا في الانطلاق من حلب نحو تثبيت نقاط وموازين القوة لغرض جولة التفاوض القادمة، فإنّ الشعب السوري بمجمله معارضة وموالاة، يعيشون حالة التخبّط البنيوي في مآلاتهم وتطلعاتهم نحو الحل، خاصة وإن وجِد من يعتقد بامتلاك أطراف النزاع السوري لأي حل في سورية، فالخيارات معدومة ومتفاوتة ومنحصرة بين أقواس تُفرض من الخارج.
المعارضة منذ فترات باتت تفقد العوامل الذاتية والموضوعية في السيطرة على مجريات الأحداث ضمن العمق السوري، وهي عاجزة بالمطلق أمام التدخلات الخارجية وتعيش الأزمة المُراد لها أن تعيشها من تخبّط وتمزّق داخلي وخلافات سياسية وعسكرية حتى باتت مرهقة من ثقل مشاريع غير سورية للحل، خاصة مع تدنّي الدعم اللوجستي لقواتها العسكرية.
من جهته، فإنّ الطرف المقابل في المتاهة السورية من موالاة ونظام، ومع عدم تقديم أي حل أو بوادر حل سياسي مقبولة، فإن ذلك يرسم ملامح مرحلة لا انتقالية مؤسّسة على ديمومة الحرب والنزاع من دون أن يتمكن أيّ أحد من الحسم العسكري أو الدبلوماسي أو الاقتصادي.
حلب مربط الفرس وبيت القصيد، وتحويلة التقسيم أو الفيدرالية أو استمرار النزيف البشري. ربما تكون الفرصة الأخيرة لجون كيري قُبيل الانتخابات الأميركية هي اجتماع وزراء خارجية النواة الصلبة لأصدقاء سورية، وقد تكون المبادرة الدولية القطرية السعودية حول حلب غير بعيدة عن محاولة كيري الأخيرة.
قبل مائة عام جلس قادة العالم ليقتسموا دول الشرق فيما بينهم، فأنتجت اتفاقية دفعت شعوب الشرق ثمنها مائة عام، واليوم يترّقب الشعب دفع نتائج الاتفاقية الجديدة ليعيش في كنف توزيع جديد للمناطق والدول بينهم.
اللوحة السورية أمام خيارين لا ثالث لهما، بين استمرار نهاية التاريخ عبر النظام العالمي المعاصر ونظامه الليبرالي الرأسمالي، أو حدثٌ جلل يُعيد رسم المشهد السياسي عبر نظام عالمي مغاير، ونظرية سياسة جديدة تتناسب ومقاسات اللاعبين الرئيسيين الجدد، فهل دخلنا مرحلة بِدء الحرب الكونية في سورية، أم أنّ خيارات اللحظات الحاسمة ستحمل الجميع إلى المرحلة الانتقالية؟ وهذه الأخيرة هل ستكون مع بقاء رموز النظام السوري أم ستنتصر المعارضة في إدارة المرحلة الانتقالية من دون أي تواجد لتلك الرموز؟
نهاية المأساة السورية يجب أن تُفضي إلى نظام جديد على أقل تقدير في الشرق، ومن أبسط نتائجه إعلان نظام سياسي تقبله جميع الأطراف، وأفضل فرصة لتغيير العالم هي ساحة الصراع السوري.
34E2B376-7410-4A76-B556-7FDC4C9BB5C2
34E2B376-7410-4A76-B556-7FDC4C9BB5C2
شفان إبراهيم (سورية)
شفان إبراهيم (سورية)