الفن والثورة المصرية.. دراما باتجاه واحد (2 - 3)

الفن والثورة المصرية.. دراما باتجاه واحد (2 - 3)

26 يناير 2017
(في الجيزة، تصوير: جاسون لاركين)
+ الخط -

قبل الدخول في جزئية تعامل الفن الرسمي مع حقبة حكم الأخوان المسلمين، يجب أن نلقي الضوء على مسألة لافتة؛ وهي أن الجيش كان أقل الأطراف التي ذكرت في الأعمال الفنية، على الرغم من تصدره للمشهد السياسي منذ 2011 حتى تسليمه السلطة لمحمد مرسي. ولكن تعامل الفن الرسمي معه كـ تابو لا يجوز ذكره بالسلب أو الإيجاب.

يمكن عزو هذه المسألة لفكرة أن الرقابة المصرية كانت لن تسمح بأي تناول أو مجرد إثارة للغط في أي شيء يخص المؤسسة العسكرية المصرية. اللقطات القليلة والنادرة التي ذكر فيها اسم الجيش غالبًا كانت في الحلقات الأخيرة من المسلسلات أو المشاهد الأخيرة من الأفلام، وتقتصر على مشهد انتشار الدبابات أثناء ثورة 25 يناير، أو هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة".

يبدو هذا التعامل من صانعي الفن مع المؤسسة العسكرية انعكاسًا واضحًا لتعامل قطاعات كبيرة من الشعب مع المؤسسة العسكرية كتابو مقدّس، لا يجوز نقده أو نقد أحد الشخصيات فيه؛ عكس وزارة الداخلية مثلا التي ظل دائمًا هناك مساحة لنقدها حتى بعد عودة سطوتها الشديدة على الحياة المدنية المصرية بعد 30 يونيو وفض اعتصام رابعة.

تولى الرئيس الأسبق محمد مرسي الرئاسة لعام وحيد. ولم يسمح هذا العام بظهور الكثير من الأعمال الفنية المتناولة لآثار فترة حكمة أو رؤية الفن الرسمي لها. ولكن  الأعمال التي تناولت فترته كانت أغلبها من المسلسلات الدرامية التي عرضت في رمضان 2013 أي بعد عزل محمد مرسي بأقل من شهرين. أغلب هذه الأعمال كتبت على أساس أنها احتجاج فني وتوعية للمجتع ضد أفكار الأخوان المسلمين والإسلام السياسي بصفة عامة. أثناء كتابتها استبعد (أو لم يتوقعوا كحال أغلب المصريين) كتاب هذه الأعمال سرعة عزل مرسي بهذه السرعة. ولذلك افترضت هذه الأعمال بقائه عند عرضها تلفزونياً وهذا مالم يحدث.

استدعت الأعمال الدرامية الشكل الكاركتوري للمواطن السلفي المتطرف. هذا الشكل الذي اشتهرت به أعمال الكاتب الكبير وحيد حامد في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. حيث الرجل الذي يكفر الآخرين وتسيطر عليه الغلظة الشديدة في القول والفعل. والسلفي طويل اللحية في التراث الفني المصري دائمًا يتجه للجماعات الأرهابية، أو يستغل الدين للكسب المادي من البرامج التلفزونية وينشر الفكر الأرهابي علي الشعب من جهة ومن جهة أخرى يعيش حياته الشخصية بمجون. وربط الكاتب مدحت العدل الشكلين معاً في مسلسل الداعية.

 فمدحت العدل لا يخرج عن الأنماط التقليدية في الكتابة مسلسله الداعية من بطولة شريف سلامة وقام فيه بدور داعية إسلامي يبث الأفكار المتطرفة في البرامج التلفزونية إلى أن يتورط مع جماعات أرهابية، فيرجع عن تطرفه ويبدأ في أدراك الدين (الوسطي السليم) وعندها تتحداه تلك الجماعات ... إلخ.

أما في مسلسل "موجة حارة" فتم تقديم نموذج الشيخ الماجن في حياته الشخصية ولكنه ينشر أفكار متطرفة في برنامجه التلفزوني، مقابل الشاب الشيوعي الذي يناضل ضد القمع ويتعرض للاعتقال ويخوض قصة حب ملحمية. قامت مريم ناعوم التي حولت رواية "منخفض الهند الموسمي" لأسامة أنور عكاشة لنص تلفزوني، بتحويل شخصية الشيوعي الملحد إلى شيوعي متدين تدين "وسطي سليم". دفاع مريم ناعوم عن الشيوعي ورفضها لتكفيره ضمنياً يعني رفض حرية عدم الأعتقاد بدين ما.

ولمريم نعوم تجربة أخرى في مسلسل "ذات" المقتبس عن رواية لصنع الله إبراهيم. لكن كان النص أكثر نضجًا في نقل التحولات الاجتماعية في مصرف "ذات"  تعيش حقب مختلفة من تاريخ مصر المعاصر وتتحول من طالبة حالمة لمرأة متزوجة ثم أم فقيرة موظفة في جهاز حكومي مترهل، والتحولات على المستوي الاقتصادي وهجرة العاملين للعمل في الخليج في مرحلة الانفتاح، وما تتبعه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من انتشار الحجاب ثم النقاب.

وقدم مسلسل الخواجه عبد القادر نموذج للتدين الصوفي المتسامح المعتمد على حب الله والبشر أكثر من الاعتماد على الأحكام الشرعية، وفي نهاية المسلسل يؤمن الشاب السلفي الرافض للتصوف والأضرحة ببركات الخواجة عبد القادر حتي بعد موته. أما وحيد حامد الذي وضع الخطوط العامة  للرؤية الفنية للسلفين بداية من الثمنينيات والتي لم يخرج الكثير عنها؛ فكان له مسلسل بدون ذكر أسماء والذي استكمل فيه رؤيته عن المتدين السلفي، ولكنه ربط بتمكن درامي بين صعود طبقات الفاسدين علي سدة الحكم وتجمع المصالح بينهم وبين هؤلاء السلفيين. كذلك الضغط الأقتصادي علي المجتمع ممايجعله فريسة للأفكار المتطرفة أو محاولة أفراده للترقي بين الفاسدين.

انتهي حكم الأخوان ومعه لم يتكرر هذا النمط من الأعمال مرة أخرى حتى الآن، ولكن انتقل الفن الرسمي لأنماط أخرى.

المساهمون