شمال غزة بلا مستشفى... الاحتلال الإسرائيلي يجبر "كمال عدوان" على الإخلاء

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
22 مايو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة أُجبر على الإخلاء بسبب العدوان الإسرائيلي، مما ترك المنطقة بدون منظومة صحية مركزية وزاد من معاناة السكان.
- الطواقم الطبية حاولت استئناف العمل تحت القصف، لكن القيود على الوقود ونقص المعدات والأدوية أدت إلى تدهور الخدمات الطبية وتقاسم الجرحى للأسرة.
- الوضع الإنساني والصحي يتدهور بشكل متزايد مع استمرار الهجمات، حيث يواجه النازحون والمرضى صعوبات في الحصول على الرعاية اللازمة، والطواقم الطبية تعمل في ظروف خطيرة مع نقص حاد في الموارد.

كان مستشفى كمال عدوان الحكومي آخر منظومة صحية تتولى تقديم الخدمات الطبية للمرضى والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر في شمال القطاع، إلا أنه توقف عن الخدمة بعدما فرض عليه الإخلاء.

فقد سكان المحافظة الشمالية في قطاع غزة آخر مستشفى طبي مركزي، وهو مستشفى كمال عدوان الحكومي، الذي كان يقدم لهم الخدمات الطبية، بعدما اضطر معظم أفراد الطاقم الطبي والمرضى إلى إخلائه جراء استهدافه مباشرة، الأمر الذي بات يشكل خطراً كبيراً على الجرحى والمرضى الموجودين فيه. 
وكان جهاز الدفاع المدني ينفذ عدداً من مهمات الإسعاف أثناء الهجوم الإسرائيلي على شمال القطاع المتواصل منذ أكثر من أسبوع، في ظل منع الاحتلال وصول سيارات الإسعاف إلى المنطقة، ليعلن الاثنين الماضي عن خروج مستشفى كمال عدوان عن الخدمة في ظل تهديدات الجيش الإسرائيلي وقصفه المتواصل محيط المستشفى. لكن سرعان ما عادت طواقم المستشفى إلى العمل واستقبال الحدّ الأدنى من الطاقة الاستيعابية، إلى أن خرجت عن الخدمة مساء أمس الثلاثاء. وذكر بيان وزارة الصحة في غزة أن الاحتلال تعمّد شن غارات بالقرب من مراكز الإيواء والمستشفيات في شمال القطاع، مشيراً إلى أن نازحين مرضى كانوا يتوافدون الى مستشفى كمال عدوان المركزي ومستشفى العودة التخصصي التابع لاتحاد لجان العمل الصحي، وهو مؤسسة فلسطينية غير حكومية تهدف إلى تطوير الوضع الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة بتقديم خدمات طبية وعلاجية أولية وثانوية. 
ولليوم الرابع على التوالي، يواصل الاحتلال محاصرة مستشفى العودة في تل الزعتر شرق جباليا، والذي لا يزال يضم عدداً من الجرحى، علماً أنه خارج عن الخدمة منذ أيام، ويعد مستشفى مسانداً للمستشفى المركزي كمال عدوان. وصباح اليوم، استهدف مستشفى كمال عدوان أربع مرات، بناءً على شهادات طواقم طبية لـ "العربي الجديد".
وتوقف مستشفى كمال عدوان عن العمل جراء استمرار القصف الإسرائيلي بشكلٍ مباشر واستهداف قسم الاستقبال والطوارئ بقذيفتين أطلقتهما آليات الاحتلال المتوغلة في شمال القطاع. وبذلك، تبقى المنطقة الشمالية بالكامل من دون أي منظومة صحية تقدم الخدمات لحالات الإصابات الكثيفة والخطيرة جراء مواصلة العملية الإسرائيلية التي دخلت أسبوعها الثاني.
يقول مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية إنه بعد إصابة ثلاثة أشخاص مساء الثلاثاء أمام أقسام المستشفى، تقرر الإخلاء بسرعة، وتم إخراج الجرحى والمرضى والطواقم الطبية، في وقت بقي عدد من المرضى الذين عجزت الطواقم الطبية عن تأمين خروجهم. ويشير إلى أن المستشفى كان يعمل ضمن طاقة محدودة جداً لا تتجاوز العشرين في المائة، بسبب تقييد وصول الوقود إلى المستشفى، بالإضافة إلى نقص المعدات الطبية والأدوية. وكان الجرحى في أقسام الطوارئ يتقاسمون الأسرة، في محاولة لتأمين العلاج للجميع، وخصوصاً بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على المناطق الشمالية.

ويتابع أبو صفية لـ "العربي الجديد": "أخلي المستشفى لعدم تكرار ما حصل في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي عندما دخل جيش الاحتلال ودمر أجزاء منها وأعدم عدداً من النازحين والمرضى في قلب الخيام التي كانت قد وضعت في ساحة المستشفى، واعتقل عدداً من الطواقم الطبية، ومنهم من لا يزال موجوداً في المعتقل، على رأسهم المدير العام لمستشفى كمال عدوان أحمد الكحلوت". يضيف: "لاحظنا وجود قناصة قوات الاحتلال فوق المباني المحيطة والملاصقة للطرقات المؤدية إلى المستشفى، وكانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات، وقد استهدفت قذيفة الطوابق العلوية ودمرت خزانات المياه، والهدف هو تدمير كل المنشآت الطبية في المنطقة، تمهيداً لإخلائها من النازحين والسكان والمصابين بسبب حاجتهم للعلاج خارجها، وبالتالي احتلالها".
ويتوقع أبو صفية المزيد من الوفيات خلال الأيام المقبلة بعد خروج مستشفى كمال عدوان عن الخدمة في ظل عدم وجود مؤسسات طبية آمنة، وهم يبحثون في الوقت الحالي مع إدارة الطوارئ الصحية في غزة لتخصيص نقطة طبية في المنطقة الغربية لمدينة غزة للتعامل مع الإصابات وحالات الطوارئ رغم صعوبتها، إذ إن المنطقة الغربية كانت تضم مجمع الشفاء الطبي ومستشفى العيون الحكومي ومستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي، وجميعها تعرضت لأضرار بالغة أو تدمير كلي، ولم يعد العمل فيها ممكناً.

خلال إخلاء مستشفى كمال عدوان (كرم حسن/ الأناضول)
خلال إخلاء مستشفى كمال عدوان (كرم حسن/ الأناضول)

وتحدث "العربي الجديد" إلى عدد من الطواقم الطبية الموجودة داخل أقسام الرعاية الأولية والعناية المركزة في مستشفى كمال عدوان. هؤلاء رفضوا الإخلاء للبقاء مع الجرحى الذين يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعية، وعمدوا إلى فصل جميع خطوط الكهرباء في الأقسام، وأبقوها في قسم العناية المركزة فقط. 
يقول طبيب، فضّل عدم الكشف عن اسمه خشية اقتحام الاحتلال المستشفى في أي وقت، لـ "العربي الجديد"، إنهم ينتظرون حتى مساء يوم غد الأربعاء لإخلائه، في وقت تحاول منظمة الصحة العالمية تأمين خروج آمن لـ 20 عاملاً صحياً و13 مريضاً الذين يحتاجون إلى أجهزة مساعدة. يضيف: "إذا ما تأخرت المنظمة عن تأمين الخروج الآمن، فإن بعض المرضى مهددون بالموت، من بينهم طفلة. نعمل في ظروف خطرة، فقد أجريت عمليات جراحية عاجلة لعدد من المرضى وسط القذائف والنار. في بعض الأحيان، كنا نعمل ضمن طاقة محدودة معتمدين على ضوء الهاتف".
ويوضح أن "قوات الاحتلال تعمدت إخراج مستشفى كمال عدوان عن الخدمة باعتباره مستشفى مركزياً للمنطقة الشمالية، وذلك بعد إخراجه المستشفى الإندونيسي عن الخدمة منذ الشهر الثاني للعدوان". 

خلال إخلاء مستشفى كمال عدوان (كرم حسن/ الأناضول)
شهد المستشفى على مدار العدوان استهدافات عدة (كرم حسن/ الأناضول)

وأنشئ مستشفى كمال عدوان عام 2002، وهو ثاني أكبر مستشفى في محافظة شمال قطاع غزة بعد المستشفى الإندونيسي الذي تحول إلى مستشفى مركزي عام 2014 في المحافظة. وكان خلال تسعينيات القرن الماضي عبارة عن عيادة خاصة في منطقة مشروع بيت لاهيا، ثم طُوّر وأُضيفَت مبانٍ جديدة إليه ليصبح مجمعاً طبياً متكاملاً.
يشار إلى أن المستشفى الإندونيسي أنشئ بتبرع من الشعب الإندونيسي في ظل حاجة المحافظة الشمالية لمستشفى كبير، إذ إن مستشفى كمال عدوان لا يلبّي احتياجات سكان المحافظة الشمالية، إلا أنه خرج عن الخدمة في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني  الماضي.
وبقي مستشفى كمال عدوان وتحوّل منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي إلى مستشفى مركزي للمحافظة الشمالية، رغم أن المنطقة التي يقع فيها مشروع بيت لاهيا من المناطق الخطيرة التي طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها في 11 الشهر الجاري. 
وبحسب آخر إحصائية رسمية، كان مستشفى كمال عدوان يضم 334 فرداً من الكادر الطبي، ما بين أطباء وصيادلة وممرضين وفنيين وإداريين، وكان يغطي بلدة ومخيم جباليا، وبلدة بيت لاهيا، ومنطقة مشروع بيت لاهيا، وبلدة بيت حانون، وبقي حوالي 200 عامل خلال الشهر الأخير بحسب مصادر من المستشفى. وشهد المستشفى على مدار العدوان استهدافات عدة، أبرزها مجزرة 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي أعدم الاحتلال فيها مرضى ونازحين واعتقل 20 فرداً. 

نزح الممرض في مستشفى كمال عدوان محمود المدهون نتيجة القصف الاسرائيلي المتواصل وإصابة عدد من أفراد أسرته جراء القصف، محاولاً إنقاذ زوجته وطفليه، وتوجه إلى المناطق الغربية لمدينة غزة. يشدد على أنه  كان يساعد عدد من المرضى وخصوصاً أولئك الذين يعانون بسبب خطورة إصاباتهم، على النزوح. بعض هؤلاء خرجوا على كراسٍ متحركة، وقد سقطوا مراراً على الطريق بسبب تدمير الشوارع والركام.
يقول المدهون لـ "العربي الجديد": "نعمل تحت تهديد حقيقي بالموت في أية لحظة. كانت تصلنا إصابات كثيرة بسبب وجود قناصة إسرائيليين في مناطق حساسة. لكن زوجتي كانت في خطر وقد أصيب شقيقي وأبناء عمي في منزلنا القريب من المستشفى، واضطررت وعدد من الطواقم الطبية والمرضى إلى النزوح لضمان حياتنا. الوضع خطير في المنطقة الشمالية والقصف كان عشوائياً خلال اليومين الأخيرين، ويريد الجيش إخراج المنطقة كلها من الحياة وليس فقط المستشفى".

ذات صلة

الصورة
الصحافية الفلسطينية مها الحسيني

منوعات

حصلت الصحافية الفلسطينية مها الحسيني على جائزة الشجاعة في الصحافة لعام 2024، التي تقدّمها المؤسسة الدولية لإعلام المرأة (IWMF)
الصورة
جثث لفلسطينيين استشهدوا في مجرزة النصيرات

سياسة

أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأحد، أن عدد ضحايا مجزرة النصيرات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بلغ 274 شهيداً و698 مصاباً
الصورة
عشرات الشهداء في مجزرة مخيم النصيرات (محمد الحجار)

مجتمع

خلفت مجزرة مخيم النصيرات عشرات من الشهداء والجرحى الذين كانوا من بين الناجين من مجازر إسرائيلية سابقة، وآخرين عاشوا مرارة النزوح المتكرر والجوع.
الصورة
مسيرة في رام الله تنديداً بمجزرة مخيم النصيرات، 8 يونيو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

خرج العشرات من الفلسطينيين في شوارع مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، مساء السبت، منددين بمجزرة النصيرات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
المساهمون