#الفدائي_الأردني.. يعود إلى فلسطين

16 مايو 2017
(الشهيد محمد عبد الله الكسجي/ فيسبوك)
+ الخط -

الخمسيني الأردني، محمد عبدالله الكسجي، الذي استشهد برصاص قوّات الاحتلال الصهيوني، السبت 13 ماي/ أيّار، في منطقة باب السلسلة (أحد أبواب القدس القديمة)، عقب طعنه عنصرين من شرطة الاحتلال، لم ينشغل كثيرًا، بما ستنشره وسائل الإعلام المختلفة، وعن الأهداف الحقيقية لقيامه بمثل هذه العملية.

هل كان ما قام به الكسجي تقليدًا لشباب وشابات فلسطين، في الدفاع عن كرامتهم ووجدانهم، أم نزعة شرف، أبت إلا أن تخرج، وتتلون دمًا أحمر على أسوار القدس، أم إنه إحياء، بطريقته الخاصّة، لذكرى نكبة الفلسطينيين التاسعة والستين؟.

عائلة الشهيد أوضحت في حديث إلى "جيل"، أنه دخل إلى الأراضي المحتلة، من خلال تأشيرة دخول خاصّة، مغادرًا من معبر الشيخ حسين شمالي المملكة، بصحبة مجموعة سياحية، نافية في الوقت نفسه، علمها بسبب بقاء الكسجي في الأراضي المحتلة، حتى بعد عودة المجموعة السياحية إلى المملكة، علمًا، أنه لبث عند أقرباء له، ويحمل وثيقة فلسطينية إلى جانب الجنسية الأردنية.

"كان هادئ الطبع، عميقًا في تفكيره، ومتريثًا في أمور حياته، مسخّرًا حياته للعمل حتى عقب تقاعده"، هكذا يصف رأفت وهو الابن البكر لمحمد الكسجي، في حديث إلى "جيل" طباع والده، ويقول إن آخر كلماته قبيل السفر، دعته لأن يكون بمثابة القيّم على المنزل، وكأنها "كلمات وصيّة مودّع لا نيّة له بالعودة إلى منزله".

ويؤكّد المتحدّث، أن الاتصال بوالده انقطع أخيرًا، مرجعًا السبب في حينه، لسوء تغطية الاتصالات، ليتبيّن لاحقًا، أن الوفد السياحي قد غادر الأراضي المحتلة، من دون والده.

ويروي المتحدّث، عن شهود عيان مقدسيين، كانوا لحظة اغتيال الشهيد، "أن جنود الاحتلال وبعد استشهاده، أطلقوا النار على رأسه مباشرة، واعتدوا على جثمانه، بل وعمدوا إلى إلقاء أثاث مهترئ، كان بالقرب من الموقع، على جثمان الشهيد".

وتؤكّد وسائل إعلام فلسطينية وشهود عيان مقدسيون، أن الشرطي الصهيوني المصاب جرّاء طعنات الكسجي، أطلق الرصاص بكثافة باتجاه الشهيد، وبعد وقوعه على الأرض، وصل أحد حراس المستوطنين وأطلق رصاصة على رأسه.

ويؤكد هؤلاء، أن طواقم الإسعاف حضرت خلال دقائق، وقدمت العلاج اللازم للشرطي الصهيوني، وتم نقله إلى المستشفى، فيما ترك الشهيد لأكثر من 45 دقيقة مسجّى على الأرض، لم يقترب منه أي شخص من الطواقم الطبيّة، فقط تم وضع النايلون عليه.

وعلى ما يبدو، كما يوضّح شقيق الكسجي لـ"جيل"، وهو ينقل عن أقرباء الشهيد في الأراضي المحتلة، أن أخاه، لم يتحمّل ما شاهده من اعتداءات من قبل شرطي صهيوني، يعرف عنه، تسلطه على نساء بيت المقدس، فيصرخ كلّما شاهد اعتداء الجنود الصهاينة، ويقول "الله أكبر.. وين الزلام؟".

الأردنيون، وحين سماعهم خبرَ استشهاد الأردني الكسجي، ضجّوا فرحًا، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بل وأطلق ناشطون أردنيون وفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، وسم #الفدائي_الأردني، مشيدين بهذه العملية ومنفّذها، ومعبّرين من خلال تعليقاتهم وتغريداتهم على وحدة الشعبين الفلسطيني والأردني.

من جانبها، وكعادتها، استنكرت الحكومة الأردنية "قتل" الأردني الكسجي، محمّلة الحكومة "الإسرائيلية"، بصفتها القوّة القائمة بالاحتلال، مسؤولية إطلاق النار على مواطن أردني في القدس الشرقية المحتلة، ما أدّى إلى استشهاده، في حين كلّفت الحكومة السفارة الأردنية في "تل أبيب"، بالبحث في تفاصيل حادثة استشهاد المواطن الأردني، للوقوف على ظروف وملابسات ما حدث.

هذه الحادثة، أيقظت في ذاكرة الأردنيين، ذكرى استشهاد الشاب الأردني سعيد العمرو 27 عامًا، حين أقدمت قوّات الاحتلال الصهيوني، على قتله بوابل من العيارات النارية، وكذلك، في مدينة القدس المحتلة، عام 2016، وزعموا تنفيذه عملية طعن ضدّ جنود الاحتلال.

شقيق سعيد، عبد الله العمرو، اتهم في حديثه لـ"جيل"، قوّات الاحتلال الصهيوني باغتيال شقيقه، بحجّة محاولة طعنه مستوطنين، مؤكدًا، "أن شقيقه الذي يعمل موظفًا في وزارة المياه الأردنية، ذهب في رحلة سياحية لمدينة القدس، مشيرًا إلى أن مقاطع فيديو أظهرت عدم حمل شقيقه لأي أدوات حادة كما تزعم سلطات الاحتلال".

من جهتها، كانت قد ندّدت الحكومة أيضًا، وعلى لسان وزارة الخارجية وشؤون المغتربين في بيان صحافي بقتل العمرو، ووصفته بالفعل "الهمجي" لجيش الاحتلال الإسرائيلي، متّهمة إياه بإطلاق النار بشكل متعمّد على المواطن الأردني الشهيد سعيد العمرو.

ولم تملك وقتها، السلطات الأردنية، سوى "التشكيك" في رواية العدو الصهيوني، من أن العمرو "هاجم جنودًا إسرائيليين، لا سيما أن البيان ذاته ذكر صراحة أنه لم يصب أي جندي أو شرطي إسرائيلي في الحادثة"، مشدّدة، في الوقت نفسه، أنها "تتابع القضية، للوقوف على كافة التفاصيل".

عائلة الشهيدين، العمرو والكسجي، أجمعت آراؤهما، على أن "الحكومة ستكون عاجزة، أمام مطالبات العائلتين، بتقديم تفاصيل العمليتين، وإنصافها، علمًا، أن حادثة اغتيال الشهيد القاضي الأردني رائد زعيتر، لا تزال حاضرة في الوجدان، ونتائج التحقيق فيها، علامة عار، على جبين الدولة الأردنية".

ففي صباح العاشر من آذار من العام 2014، اهتز الأردنيون لخبر استشهاد القاضي رائد زعيتر، بخمس رصاصات أطلقها عليه جندي صهيوني على جسر الشيخ حسين، ليخرج بعدها الناطق الإعلامي باسم الحكومة، محمد المومني، على شاشة التلفزيون الأردني الرسمي، وتحديدًا في أخبار الساعة الثامنة مساءً، ليؤكد أن "كافة أجهزة الدولة، لن تهدأ ولن تتوقّف، عن متابعة الأمر، حتى يتمّ التحقيق في الحادثة".

وما أكده المومني في وقته، ترجم على أرض الواقع، بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة، تضم ثلاثة أطراف، وهي الأردن و"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، لم تنته من عملها لغاية اليوم، مع تأكيدات مسؤولين رسميين، بـ"أن اللجنة لا تزال تستمتع للشهود الذين كانوا على الجسر في تلك اللحظة"، وهو ما يختصره والد الشهيد زعيتر في حديثه إلى"جيل"، علاء الدين الطويل، وبعد الاستفسار عن المستجدات في القضية، في قوله: "كل شي.. على حطة إديك".

"التحقيق لا يزال جاريًا"، تلك هي الجملة والإجابة المحبّبة للجهات الرسمية، إذا ما سئلوا عن قضية الشهيد زعيتر، قبل أن يتوّج هذا التكتم بقرار من اللجنة المشتركة، بعدم التصريح لوسائل الإعلام، حفاظًا على مجريات التحقيق.

والد الشهيد زعيتر، يشير الى أن المماطلة في التحقيق، تأتي من الجانب الإسرائيلي، وذلك لرفضه التعاون مع الجهات الأردنية في التحقيق، وبالأخص، من حيث توفير شهادات الشهود.

محلّلون وخبراء في القانون الدولي، من بينهم المحامي، أنيس القاسم، أبدوا استغرابهم، بلجوء الأردن للتحقيق المشترك، معتبرين أن بإمكانه، وبحسب القوانين الدولية، أن يطالب بالجندي القاتل، وأن يحاكمه حسب قانون الجزاء الأردني.

وعلى الرغم، من أن وسائل إعلام عبرية، نشرت خبرًا عقب جريمة قتل القاضي الأردني، تؤكد فيه تسليم نتائج تحقيق أجراه "مكتب التحقيقات مع الجنود"، في جيش الاحتلال الإسرائيلي، للمدّعي العام العسكري هناك، الذي قد يوجّه تهمة للجندي، إلا أنه لم يتخذ لغاية الآن، أي قرار بتوجيه أيّة تهمة.

لم يُنشر اسم الجندي مرتكب الجريمة لغاية الآن، في أي وسيلة إعلام، سواءً عربية أو عبرية، ولم يتم توقيفه مطلقًا لغاية اللحظة، ولا حتى تسريحه من الخدمة العسكرية.

ومع تكرار مثل هذه الحوادث، يبقى الموقف الرسمي الأردني، مصاغًا تمامًا للمزاج العام الشعبي، فيبجِّل منفّذيها بوصفهم "شهداء"، ما يعتبر إعطاء الضوء الأخضر للمزيد من العمليات، وفق الفهم الصهيوني، والذي تجسّد صراحة، بمطالبة العدو الصهيوني الأردن، بإدانة هذه العمليات، كما تدين "إسرائيل" العمليات "الإرهابية" في الأردن.

وفي الوقت ذاته، لا يشهد الأردنيون، أي تقدّم في ناحية التحقيقات، وتحصيل أي مكسب، يحفظ على الأقل، كرامة المواطن الأردني، كما حصل، في قضية استشهاد القاضي رائد زعيتر، ويبدو أن المشهد سيتكرّر مع كل من "الكسجي والعمرو".