العرب في بكين

24 اغسطس 2015

من معرض بكين الدولي للكتاب في العام 2004 (Getty)

+ الخط -
للمرة الثانية على التوالي، تتاح لي، هذا العام، فرصة حضور معرض بكين للكتاب، وهو الثالث عالمياً من حيث الحجم، بعد معرضي فرانكفورت ولندن، وتشارك فيه نحو ألفي دار نشر من دول العالم. وأتشرف، هذا العام، عشية افتتاح المعرض، بتسلّم جائزة "الكتاب المتميّز" الصينية رفيعة المستوى، من نائبة رئيس الوزراء الصيني، ليو يان دونغ، التي مُنحت لي تقديراً لكتابي "العرب ومستقبل الصين"، الذي نشر بالعربية والصينية والإنجليزية. وكنت قد حضرت، العام الماضي، حفل إشهار نسخته الصينية، ضمن فعاليات المعرض، حيث تولت دار نشر صينية نشره بالصينية والإنجليزية. وفي المناسبتين، أحصل على فرصة طيبة لارتياد المعرض الكبير، وتسجيل ملاحظاتي حوله.
ستكون دولة الإمارات ضيف الشرف في المعرض الضخم هذا العام. وكانت السعودية الدولة الضيف في عام سابق، وكذلك تركيا. والمعنى الأول الذي يمكن استخلاصه من هذه المشاركات أن الصين تعمل بجد للانفتاح على منطقتنا، وتوثيق الصلات معها، ودعوتها إلى إقامة تبادل ثقافي ومعرفي معها، انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية للصين.
يقول أصدقاء من الكتّاب الصينيين إن المشاركة السعودية كانت فاخرة شكلاً، لكنها لم تتضمن عرض كتب كثيرة، أو إقامة فعاليات ثقافية فكرية وأدبية، تتيح التعرّف على الثقافة العربية المعاصرة، وهم يأملون أن تكون مشاركة الإمارات أكثر انسجاماً مع معرض الكتاب، من زاويتي عرض الكتب وتقديم ندوات ونقاشات ثقافية.
ترفع الإمارات، في مشاركتها المرتقبة، شعار "الريادة في التنمية الثقافية والمجتمعية لإمارات مزدهرة"، ويقول منظمو المعرض إنه جرى اختيار الإمارات ضيف شرف لهذا العام، لأنها تتشابه مع الصين، في تحقيق نهضة اقتصادية كبرى في العقود القليلة الفائتة. وهكذا، ثمة موضوع ثري يمكن أن يكون أساساً لهذه المشاركة العربية المهمة في معرض بكين للكتاب، قوامه الاستناد إلى التنمية الاقتصادية في تحقيق النهضة الحضارية. ذلك تماماً ما فعلته الصين، في العقود الأربعة الأخيرة، وذلك ما يجدر بنا، نحن العرب، أن نتعلمه، من أجل تقدم حضاري نحلم به.
يتضمن البرنامج الثقافي للمشاركة الإماراتية فقرات ثرية في الفكر والأدب والفنون. ثمّة استعانة بالتراث: قصصه وصوره وفنونه، كعادة العرب في مثل هذه المناسبات، لكن الأهم أن يكون انتباه للمستقبل أيضاً، فالموضوعان يكملان واحدهما الآخر، حين يتعلق الأمر بالانفتاح الثقافي على آخر بعيد وغريب.
لدى الإمارات مراكز ومؤسسات ثقافية مهمة، ستكون حاضرة في المعرض. مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، مثلاً، رفد المكتبة العربية، أخيراً، بكتب ذات قيمة فكرية ومعرفية، منها كتب مهمة عن العلاقات العربية الصينية. كذلك مركز جمعة الماجد، ومركز سلطان بن زايد للثقافة، ودور النشر الإماراتية، ولا ننسى الدور الكبير لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، في الحث على الإنتاج الثقافي العربي المهم. وهذا كلّه، يبشر بمشاركة إماراتية مميزة، تترك أثراً مفيداً على علاقة العرب بالصين.
ولكي تترك المشاركة العربية في المعرض أثراً مفيداً حقاً، لا بد أن نبدأ مع الصين دراسة العلاقات الحضارية المستقبلية، متجاوزين حدود التبادل التجاري، والمجاملات الثقافية عن الصداقة التاريخية، وعن طريق الحرير! ثمّة في الصين منجم من الفرص المستقبلية، لا بد أن نعيها ونحسن إدارتها. ولا يتوقف الأمر، هنا، عند الاعتبار بالنجاحات التنموية، بمعناها الاقتصادي، على أهميته، فالدرس الصيني في إنجاز التقدم الحضاري يبدو ماثلاً هو الآخر، لأن التنمية الاقتصادية هي المقدمة التي أتاحت للصين الوقوف على عتبات النهوض الحضاري.
يجدر أن نلاحظ، أيضاً، أن استخلاص العبر من الدرس النهضوي الذي قدّمته الصين للعالم ليس متاحاً في أماكن كثيرة من العالم النامي، لا تتحقق فيها الشروط المتعلقة بالمساحة والسكان والموقع والموارد والتقارب الاجتماعي، لكنه متاح في العالم العربي. هكذا، تكثر الدوافع لتفاهم حضاري عربي مع الصين، وكذلك الفرص التي يمثل معرض الكتاب أحد أبرزها، فلا عائق يمنعنا من مباشرة العمل، إذن، إلا غياب البرامج والخطط عن أجنداتنا.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.