العراق بين الحل السياسي والتقسيم

العراق بين الحل السياسي والتقسيم

20 يونيو 2014

نوري المالكي وعمار الحكيم معاً (يناير/2011/فرانس برس)

+ الخط -
لا تبدو الخيارات أمام العراق كثيرة، في هذه اللحظة التاريخية. فهو يقف عند مفترق طرق، فإما أن تغلّب كل الأطراف نداء العقل، وتتفق على حل سياسي راسخ، أو يستمر القتال الدائر حتى النهاية، وحينها سيصل الجميع إلى طريق مسدود، لن يجدوا في نهايته غير أشنع الخيارات وأمرّها، وهو التقسيم.
يبدو الطريق الأول صعباً، ولكنه سوف يقود البلد إلى مخرج توافقي، يناسب كل الأطراف، وهناك أكثر من شرط يجب توفرها من أجل تقريب هذا الخيار وجعله ممكناً. الشرط الأول هو الاعتراف بأن رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته، نوري المالكي، هو الذي قاد البلد إلى هذا الوضع المزري، وأن الحراك العسكري الذي شهدته مناطق الغرب والشمال أسقط ورقة هذا المسؤول الفاشل، في صورة لا تقبل الجدل. وكان من الممكن الاعتراف بهذه الحقيقة من دون انتظار هبة مسلحة، وقد مثلت الانتخابات التشريعية الأخيرة وجهاً من وجوه هذه الحقيقة، حيث اتفقت الأطراف الرئيسية في المعسكر الشيعي (مقتدى الصدر وعمار الحكيم) مع أبرز الكتل السنية والأكراد على مسألة واحدة، هي عدم منح المالكي ولاية ثالثة. وكان الأكراد أكثر صراحة، عندما أعلنوا على لسان رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، أنهم سيذهبون إلى الانفصال، في حال أصر المالكي على البقاء، ولكن رئيس الوزراء وضع نفسه فوق الإجماع على رحيله، وقرر أن يظل مهما كان الثمن. واليوم، تبين أن الثمن كبير، يصل إلى حد انفجار العراق وتشظيه.
الشرط الثاني هو الاعتراف بأن الحراك المسلح أسقط مسألة التمييز الطائفي الذي قام عليه حكم العراق منذ الاحتلال الأميركي في سنة 2003. ومن دون أدنى شك، تشكل السياسة التي اتبعت تجاه مكون العراق السني سبباً رئيسياً في انحدار الوضع إلى ما هو عليه. ولسنا بحاجة للذهاب إلى سنة 2003، حين تم حل الجيش العراقي، بل يكفي استعادة شريط الأحداث التي شهدتها محافظات الأنبار والموصل وسامراء، منذ بداية سنة 2013، عندما خرج مئات الآلاف في تظاهرات واعتصاماتٍ، يطالبون حكومة المالكي بوقف سياسة التمييز، التي ذهبت إلى توليد أحقاد طائفية، ولم تراع أسس التعايش بين أبناء البلد الواحد.
الشرط الثالث، أن يتوافر موقف إقليمي دولي يضع حداً للأجندة الإيرانية في العراق. وهذه الأجندة ليست تهمة، بقدر ما هي واقع قام منذ سنة 2003، وأساسه تفاهم إيراني أميركي، آل، في نهاية المطاف، إلى تطويب المالكي راعياً لمصالح الطرفين.
على العموم، لا تبشر مجريات الأيام الأخيرة بأن الوضع في العراق سائر نحو الانفراج والحل السلمي، وتكفي عملية استعراض سريعة للموقفين الإيراني والأميركي، حتى يتقين المراقب من أن المرحلة المقبلة مرشحة لأن تكون حافلة بالانهيارات. فبدلاً من أن تتعظ طهران وواشنطن بدروس الفشل العراقي الذي تسببتا به طوال عشرة أعوام، فإنهما سلكتا خيار إسناد المالكي.
ومن مفارقاتٍ مثيرة للاستغراب أنه في موازاة إقدام إيران على رمي ثقلها العسكري إلى جانب المالكي، يتم الانفتاح عليها من طرف القوى الغربية المسؤولة عن المأساة العراقية منذ عام 1991، وتحديداً الولايات المتحدة التي تتحمل التبعات السياسية والأخلاقية عن تدمير العراق كبلد، وتبديد ثرواته، وهي التي جاءت بجيوشها الجرارة من أجل كذبة إقامة الديموقراطية، لكنها تركت الشعب العراقي في أتون حربٍ طائفية، وسلمت مقادير بلاده للأطماع الإيرانية.
واشنطن مطالبة، اليوم، بالكثير حيال العراق والعراقيين، فبدلاً من أن تنصر المالكي من جديد، عليها مراجعة سياساتها التي سببت الانهيار الحالي، وباتت تنذر بالتقسيم، خياراً لا مفر منه.