الصمت على التطبيع مع "إسرائيل".. ماذا حدث للمصريين؟

الصمت على التطبيع مع "إسرائيل".. ماذا حدث للمصريين؟

23 يونيو 2016
(في القاهرة، تصوير: عمرو صلاح الدين)
+ الخط -

من هتافات مناصرة للقضية الفلسطينية ومناهضة للاحتلال الإسرائيلي، يرددّها عشرات الآلاف في ميادين التحرير المصرية، خلال مظاهرات ثورة 25 يناير 2011، إلى الصمت على دعوات التعايش وتوسيع "اتفاقية السلام مع إسرائيل". ومن اقتحام سفارة إسرائيل في القاهرة وإحراق علمها، في أغسطس/ آب 2011، إلى قبول التطبيع العلني بين مصر وإسرائيل دون رد فعل يذكر.

هذا التحول في المشهد المصري لم يتم خلال نصف قرن وﻻ ربعه حتى، ولكن تم خلال أقل من خمس سنوات، فماذا حدث؟


أعداء إسرائيل في مصر.. أين هم؟
منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وهناك تياران رئيسان في مصر يعدّان عماد الحركة الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة ﻹسرائيل، هما؛ اﻹسلاميون، واليساريون. هذا ﻻ يعني أن عموم الشعب المصري ليس معادياً ﻹسرائيل، ولكن يعني أن هذين التيارين شكّلا، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، حائط الصد اﻷول ضد محاوﻻت المضي قدماً في عملية التطبيع مع اﻻحتلال، أو تجاوز القضية الفلسطينية.

وعقب ثورة 25 يناير مباشرة، زاد اﻻهتمام بالقضية الفلسطينية وبإبرام المصالحة المتعثرة بين فتح وحماس، كطريق ﻹثبات أمرين، أولهما: إن الحديث عن القضية الفلسطينية لم يكن مجرد كلام يقال للمزايدة السياسية على نظام مبارك. وثانيهما: رغبة الثوار، من كل اﻻتجاهات، في إثبات أن ثورة يناير قامت لتُعيد لمصر دورها في المنطقة الذي تراجع كثيراً خلال عهد مبارك.

لكن بعد تأجج الصراعات السياسية بين شركاء الثورة، خاصة بعد تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، بدأ اﻻهتمام بالقضية الفلسطينية يقل لصالح اﻻهتمام بالوضع السياسي الداخلي المتأزم، واﻷوضاع اﻻقتصادية واﻷمنية المتدهورة. وبإقصاء مرسي من الحكم، في 3 يوليو/ تموز 2013، أُقصيت القضية الفلسطينية برمتها من سلم أولويات السياسة الخارجية المصرية.

ومع انفجار الصراع بين اﻹسلاميين بشكل عام وجماعة اﻹخوان بشكل خاص من جهة، والجيش من جهة أخرى، أصبح قطاع واسع من اﻹسلاميين هدفاً للأجهزة اﻷمنية في مصر، اﻷمر الذي نتج عنه مئات القتلى والجرحى وآﻻف المعتقلين. ثم جاء الدور سريعاً على النشطاء السياسيين والمناصرين لحقوق اﻹنسان والدوائر المحيطة بهم - وهم، في اﻷعم اﻷغلب، مناصرون للقضية الفلسطينية ومعادون ﻹسرائيل- وتجلت عملية استهدافهم بوضوح في اﻻحتجاجات اﻷخيرة على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، حيث تم توقيف المئات منهم.

واﻵن أصبح أغلب مناصري القضية الفلسطينية والمعادين ﻹسرائيل في مصر ما بين قتيل أو جريح أو معتقل أو مشرد أو مهموم بالدفاع عن حقوق كل هؤﻻء وتغيير الوضع الحالي.


تشويه القضية الفلسطينية وتجميل إسرائيل
منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ومؤيدو نظام مبارك يروجون لسردية اقتحام حركة حماس للسجون المصرية وتهريبها للسجناء، فضلاً عن مشاركتها في قتل الثوار ورجال الشرطة أيضاً.

خفتت هذه السردية قليلاً بعد الثورة مباشرة، ثم عادت للظهور بقوة عقب تراجع المد الثوري، خاصة بعد 30 يونيو 2013، لكن هذه المرة كان ظهورها على لسان شخصيات أمنية، وفي أروقة المحاكم، وأوراق القضايا.

اﻹعلام الموالي للنظام لعب دوراً هاماً في ترويج هذه السردية التي ترتب عليها شيطنة حركة حماس، كما لم يتوان هذا اﻹعلام عن الربط بين حماس وكل حدث أمني كبير في مصر، إلى جانب ربط اسم حماس بأسماء دول أخرى - قطر وتركيا - أصبح مجرد النطق بأسمائها يستدعي إلى مخيلة المواطنين البسطاء مفاهيم مثل "المؤامرة الدولية" و"محاوﻻت هدم مصر".

تأثير عملية شيطنة حماس في مخيلة المصريين، تجاوز حماس ليشمل القضية الفلسطينية ككل، فالحركة جزء ﻻ يتجزأ من القضية الفلسطينية، وﻻعب أساسي في معادلتها، وعملية تشويهها المنظمة هي بالضرورة تشويه للقضية الفلسطينية.

هذا التشويه الذي طاول القضية الفلسطينية صاحبه عملية تجميل ﻹسرائيل، وهي عملية تم رصدها في المناهج التعليمية المصرية، حيث يتم تغيير الصورة النمطية التي كان يُلقنها التلاميذ المصريون عن إسرائيل كدولة عدوة وغير شرعية، إلى صورة جديدة تراها دولة صديقة شرعية شريكة لمصر في السلام واﻻستقرار. وهو أمر كشفت عنه دراسة إسرائيلية عنوانها "السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية. ما الذي تغير بين عهدي مبارك والسيسي؟"، ونُشرت في دورية "تقديرات استراتيجية" عدد أبريل ــ مايو 2016 الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب.

نحن إذاً أمام عملية بناء سردية جديدة عن إسرائيل والقضية الفلسطينية.


مباركة رسمية للتطبيع الشعبي
اﻷزمة التي يعيشها المعسكر المعادي ﻹسرائيل في مصر، وعملية تشويه فلسطين وتجميل إسرائيل في مخيلة المصريين، مهدت الطريق لتجاوز مرحلة التطبيع الرسمي بين مصر وإسرائيل ودخول مرحلة أعمق، خاصة في ظل التقارب الحاصل بين نظام السيسي في مصر وحكومة نتنياهو في إسرائيل.

مستوى التطبيع الجديد يمكن رد أصوله إلى أبريل/ نيسان 2012، عندما قام مفتي الجمهورية السابق، علي جمعة، بزيارة القدس المحتلة. وعلى الرغم ممّا حظيت به الزيارة من انتقادات في حينها، إﻻ أنها تظل زيارة من ثاني أهم شخصية دينية إسلامية في مصر لمدينة تحت اﻻحتلال اﻹسرائيلي، ومحاولة تبرير الزيارة لن تخرجها عن كونها تطبيعاً.

وجاءت زيارة البابا تواضروس الثاني، بابا اﻹسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، لتؤكد دخول عملية التطبيع إلى مستوى أبعد من المستوى الرسمي، فالزيارة استلزمت خرق البابا قرار المجمع المقدس، الصادر في عام 1980، والقاضي بمقاطعة الزيارة إلى القدس. وبغض النظر عن سبب زيارة البابا إلى القدس المحتلة وتفاصيلها، إﻻ أنها تظل زيارة من أهم رجل دين مسيحي في مصر، إلى أراضٍ محتلة، وهي تطبيع مهما قيل من كلمات لتذويقها.

زيارة البابا تواضروس الثاني للقدس المحتلة، شجعت آﻻف اﻷقباط على خرق قرار المقاطعة هم أيضاً، وزيارة اﻷماكن المقدسة في القدس. وعلى الرغم من أن حج اﻷقباط إلى القدس كان يتم منذ سنوات عديدة، لكن الجديد، هذا العام، أن عدد الحجاج كان كبيراً - ستة آﻻف - وليس بضع مئات، كما كان في السابق، وأن هذه الزيارات تمت بشكل علني وليس كما كان سابقاً سراً.

وﻻ يمكن تخيل أن زيارة المفتي السابق والبابا تواضروس الثاني ومن خلفهما آﻻف اﻷقباط إلى القدس المحتلة، تمت دون علم ورضا "الجهات السيادية"، وهذا يدل على أن هناك تغيراً في العقيدة العسكرية والمخابراتية المصرية، التي كانت ترى إسرائيل هي العدو اﻷول على مدى عقود من الزمن، ويدل أيضاً على مباركة هذه الجهات لدخول العلاقات المصرية اﻹسرائيلية طور التطبيع الشعبي.

ما يقوم به نظام السيسي من مباركة للتطبيع الشعبي مع إسرائيل، وشيطنة حركة حماس وتشويه القضية الفلسطينية، هو نتاج ضعفه؛ فنظام السيسي الضعيف بحاجة إلى إسرائيل القوية لتدعيم شرعيته الهشة دولياً. لذا فمع ضعف المعسكر المعادي ﻹسرائيل في القاهرة، من المتوقع أن تتزايد وتيرة التطبيع، خلال الفترة المقبلة، وأن تجد دعوات التعايش مع إسرائيل صدى أكبر لها في الشارع المصري، وخاصة مع اﻷجيال الشابة التي يتم تزييف وعيها حالياً في ما يخص القضية الفلسطينية وإسرائيل.

المساهمون