الشاعر المتطرّف... تخبّط في القوميات

الشاعر المتطرّف... تخبّط في القوميات

29 نوفمبر 2014
الشاعر المتطرّف... تخبّط في القوميات
+ الخط -
كان لبنان ذو الـ 10452 كيلومتراً مربعاً يمثّل كل العالم للشاعر. أثار سعيد عقل العديد من الإشكاليات السياسية والتاريخية كما أثار دهشة محبي الشعر. لم تكن الخصوصية اللبنانية لسعيد عقل عقيدة وطنية خالصة لدى شعب هذا البلد تحديداً. تلك الإشكالية انفجرت حرباً أهلية عام 1975 بفريق مسيحي يميني تعامل مع إسرائيل، وفريق إسلامي بأغلبية يسارية آثرت التلطي خلف منظمة التحرير الفلسطينية لتحصيل مكاسب دستورية أكبر. وضعت الأغلبية الساحقة من اللبنانيين التعامل مع العدو الإسرائيلي خطاً أحمر يمنع تجاوزه. سعيد عقل تجاوز ذلك جهراً في حديث صريح حين أيّد الاحتلال الإسرائيلي بحجة القضاء على الوجود الفلسطيني حينها.

موقف عقل لم يأت من فراغ. تبنى الشاعر اللبناني وجهة نظر فريق لبناني دون آخر. قبلها، كان عقل قد قدّم لفيروز رائعة "سيف فليشهر" التي أضحت نشيداً لقضية فلسطين. انغمس في الصراع المسيحي – الإسلامي حتى النخاع، فخرج مذنباً بتقدير خصومه ومغفوراً له بتقدير الآخرين.

محيّر هو سعيد عقل لمحبيه وخصومه. بدأ الشاعر الكبير قومياً سورياً حين ألّف نشيد الحزب الذي أسّسه أنطون سعادة، قال فيه: بسمةٌ ملء الربيع .. سورية فوق الجميع. رفض سعادة النشيد بسبب العبارة الأخيرة، خوفاً من تشبيه الناس للحزب القومي بشعار النازيين "المانيا فوق الجميع". كتب للقومية العربية عام 1939 نشيد حزب العروة العروبي: ولنا هزّ الرماح في الغضوب المشمس، ولنا زرع الدنى قبباً زرق السنا، ولنا صهلة الخيل من الهند إلى الأندلس.

تاريخ حافل من التخبط في القوميات، ومع كل مرحلة كان عقل كالسيل الجارف من الشعر الحديث. كل ذاك الإبداع يرسم سعيد عقل بعلامتين، التعجب والتساؤل. كأن اللغة العربية تطوّعت حكراً لقصائد قيل فيها الكثير. أبلغ ما قيل كان على لسان الشاعر صلاح لبكي عام 1932، قائلاً: "حين يبدأ هذا الشاب بنشر قصائده.. سنكسر أقلامنا"، حينها كان سعيد عقل يلقي قصيدته "المجدلية". الجنون ليس تهمة ولا انتقاصا. جنون عقل في لبنانيته المتطرفة تفسّر تخبطه. حين ثار النائب اللبناني ميشال عون ضد التواجد العسكري السوري خطب بجماهيره قائلاً: "يا شعب لبنان العظيم". هي عبارة أضحت شعاراً لتياره السياسي حتى اليوم. مطلق العبارة الحقيقي كان سعيد عقل الذي أيد معركة عون حينها.


سعيد عقل هو تجربة وطن. من حبل القومية السورية إلى حبل القومية العربية، إلى حبل القضية الفلسطينية، حتى انقلب عليها تماماً، وصولاً إلى السقوط مجدداً في فخ النشأة، في اللبننة المطلقة، التي تأخذك إلى ما سماه "فينيقيا". ذهب عقل تاركا الناس في حيرة من أمرها. رأي يحاكمه لموقفه السياسي ورأي يحمله على عرش الشعر. توفي الرجل في كيانه الخاص، ذاك اللبنان الفكرة المطلقة أو ذاك الذي سكن أبيات شعره : ومن أنا؟ لا تسل. سمراء منبتها في ملتقى ما التقت شمس وشطآن، لي صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان. 

المساهمون