السيسي مع السبع الكبار: "صفقة القرن" وحفتر وحقوق الإنسان

السيسي مع السبع الكبار: "صفقة القرن" وحفتر وحقوق الإنسان

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
27 اغسطس 2019
+ الخط -

حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استغلال حضوره قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في بياريتس بفرنسا، خلال اليومين الماضيين، لتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية لنظامه، على رأسها الترويج لتمكين مليشيا شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتضييق على قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، وانتزاع تأييد أميركي ولو ضمني لطريقة مصر في التعامل مع الملف الليبي. كما حاول الحصول على وعود من الدول الأوروبية لتقديم دعم مالي أكبر للقاهرة، مقابل جهودها في وقف تدفق الهجرة غير الشرعية واستضافة اللاجئين، فضلاً عن استمرار التفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول "الرتوش" النهائية لخطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة بـ"صفقة القرن"، التي تبدو القاهرة حالياً مقتنعة بحتمية تنفيذها.
وجاء ذلك فيما قال الرئيس الأميركي أمس إنه لا يستبعد الإعلان عن الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل. وقال ترامب خلال اجتماعه بالسيسي إن إسرائيل سترغب في إبرام اتفاق سلام تماماً مثل الفلسطينيين الذين يرغبون في عودة التمويل الأميركي.

وارتباطاً بملف "صفقة القرن"، فإن البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية المصرية، أمس الإثنين، عن لقاء السيسي بترامب حمل مستجداً واضحاً، هو الحديث عن "دعم مصر لجميع الجهود المخلصة التي تهدف لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس مرجعيات وقرارات الشرعية الدولية، بما يساهم في إعادة الاستقرار، وفتح آفاق جديدة تستفيد منها جميع شعوب المنطقة". وهذه المرة الثانية، بعد لقاء السيسي بمستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، مطلع الشهر الحالي، التي تتحدث فيها مصر رسمياً عن قبولها لـ"فتح آفاق جديدة لجميع شعوب المنطقة"، وهو ما يتكامل تماماً مع الرؤية الأميركية، التي تعبر عنها من خلال الشق الاقتصادي للصفقة، والذي تم إعلانه رسمياً في ورشة المنامة في يونيو/ حزيران الماضي. وكان خطاب الرئاسة المصرية عن الصفقة خلال زيارة السيسي الأخيرة إلى واشنطن، في إبريل/ نيسان الماضي، متحفظاً، حيث أعلن آنذاك عن حرص مصر على إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين على حدود 1967، من دون أي إشارة لآفاق التعاون الجديدة التي أيدها خلال اجتماعه مع ترامب أمس.

لقاء السيسي بترامب أيضاً تطرق بشكل أساسي إلى الأوضاع في ليبيا. فمع التسليم بأن ترامب على المستوى الشخصي يفضل دعم حفتر، إلّا أنه ما زال يرى أنه لا أولوية لأميركا للعب بكل أوراقها في القضية الليبية، وألا يتدخل إلا عند الضرورة. وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن السيسي تحدث، خلال اللقاء، عن ضرورة اتخاذ خطوات أكثر فاعلية في الملف الليبي، وتحديداً لدعم حفتر والبناء على التواصل الأخير الذي جرى بينه وبين ترامب بوساطة مصرية، قبيل بدء حملته على طرابلس، وذلك على خلفية ظهور خلافات بين القاهرة وباريس حول أهمية وأولوية دعم حفتر في هذه المرحلة الحرجة من الصراع الميداني في ليبيا. لكن ترامب لم يعد السيسي بشيء ملموس.

وسبق أن كشفت مصادر مصرية وأوروبية، لـ"العربي الجديد"، أن السيسي طرح على ترامب، خلال العام الحالي، حضور مؤتمر في القاهرة، سيركز في الأساس على الشأن الليبي، ويلتقي خلاله ترامب بالزعماء الأفارقة، تعبيراً عن مركزية العاصمة المصرية في القارة الأفريقية، في العام الذي ترأس فيه الاتحاد الأفريقي. لكن ترامب لم يبد قبولاً أو رفضاً للعرض، ووعد بالتفكير فيه على ضوء التزاماته المختلفة، علماً أن زوجة ترامب ميلانيا وابنته إيفانكا قد قامتا بجولتين في دول أفريقية عدة العام الماضي، لكنه لم يزر أفريقيا أبداً. ولم تخدع كلمات السيسي الرسمية عن ضرورة خلق حل سياسي للأزمة الليبية ووقف تمويل "المليشيات الإرهابية" هناك القادة الحاضرين المهتمين بالشأن الليبي، فلم يتم إحراز أي تقدم في المناقشات الدائرة بين مصر وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وبدرجة أقل ألمانيا، بشأن ليبيا. واستمر الخلاف حول إمكانية التوصل إلى اتفاق أوروبي على تقليص إمدادات الذخيرة والسلاح للطرفين المتناحرين في ليبيا، سعياً للوصول إلى نقطة يُمكن البناء عليها لإرغامهما على العودة لمسار المفاوضات السلمية.


وبحسب المصادر، فإن الفرنسيين أكدوا، خلال اللقاءات على هامش القمة، أنهم عند موقفهم الرافض لانخراط جماعات الإسلام السياسي في قوات حكومة الوفاق، وأن يكون لها دور في خارطة المستقبل الليبية، لكنهم يرون أن مصر لا تحقق أيضاً أي نجاح عملي في ملف تطويق الإسلاميين الذي كانت قد بدأت به منذ أعوام، وتسعى حالياً لبث الروح فيه من جديد من خلال استضافة قوى سياسية وقبلية مختلفة مؤيدة لحفتر أو معارضة للإسلاميين، ودعمها لمحاربتهم جهوياً وتجفيف منابع إمدادهم بالأفراد والعتاد من داخل ليبيا. كما يرون أن الرهان المصري الإماراتي على حفتر بعد كل ما حصل عليه من مساعدات "ربما ليس في محله".

وبخلاف اللقاء الودي بين السيسي وترامب، خيم التوتر على اجتماعيه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي المستقيل جوزيبي كونتي، اللذين حضرهما معه مدير المخابرات العامة عباس كامل ووزير الخارجية سامح شكري. وتم توجيه استفسارات عدة للسيسي بشأن ملفات إشكالية، أبرزها جمود التحقيقات في قضية مقتل الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع 2016، وامتناع مصر عن مساعدة إيطاليا في التوصل إلى الحقيقة حتى الآن، حيث اكتفى السيسي بالتسويف وتكرار التعهدات، الأمر الذي كان يتوقعه كونتي قياساً بلقاءاته السابقة بالسيسي، بحسب المصادر. وقالت المصادر أيضاً إن المستشارة الألمانية استفسرت أيضاً عن مستجدات قضية ريجيني، لكنها كانت مهتمة أكثر بالحديث عن ضمانات حقوق الإنسان في مصر، والوضع الحالي لمنظمات المجتمع المدني، المحلية والألمانية، وما سيستجد بشأنها بعد صدور القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي عشية حضور السيسي للقمة، حيث تحدث الرئيس بصورة عامة عن مزايا القانون الجديد.

وتطرق الاجتماعان أيضاً إلى قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية، حيث جدد السيسي مطالبته بالحصول على دعم أوروبي متزايد لتمكين مصر من مواصلة عملها في استضافة اللاجئين العرب والأفارقة الذين ينوون الانتقال إلى أوروبا، والتصدي للهجرة غير الشرعية، وذلك ارتباطاً بالحملة الجديدة التي روجت الخارجية المصرية لها، عبر الدوائر الدبلوماسية في المؤتمر، والتي كشفت عنها "العربي الجديد" في وقت سابق هذا الشهر. وأوضحت المصادر أن السيسي تحدث عن وجود صعوبات في تأمين 125 مليون دولار على الأقل سنوياً، في صورة دعم دولي، بحجة سد زيادة الإنفاق في مجالي الصحة والتعليم على اللاجئين من جميع الجنسيات، وحصولهم على خدمات في هذين المرفقين، موازية للخدمات التي يحصل عليها المواطن المحلي. وأشار إلى استمرار عدم اعتراف مصر بالأرقام الرسمية المعتمدة لدى المفوضية السامية لرعاية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تدور حول 250 ألف شخص فقط. وذكر أن مصر تستضيف أكثر من 5.5 ملايين لاجئ، من دول أفريقية وعربية، وأنها منذ مطلع العام الحالي حصلت على أقل من 30 مليون دولار من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فقط.

وفي سياق الملفات الخلافية أيضاً، قالت المصادر إن اللقاءات العديدة التي جمعت دبلوماسيين مصريين وأوروبيين، من الصفين الثاني والثالث، حملت انتقادات فرنسية وأوروبية "حادة" لأداء مصر كرئيس للاتحاد الأفريقي، لعدة أسباب، أبرزها الموقف المهتز الذي أبدته إزاء أزمة السودان الأخيرة وعرقلتها تشكيل المجلس السيادي لفترة طويلة لصالح استمرار المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد، قبل أن تلتحق متأخرة بتلك الجهود التوفيقية في الأشواط الأخيرة لحفظ ماء الوجه، وترك ريادة الموقف لإثيوبيا، التي أثبتت ثقلها الاستراتيجي في القارة كدولة مقر للاتحاد الأفريقي. وأضافت المصادر أن الدبلوماسيين الفرنسيين تحديداً تحدثوا عن انغماس مصر في أنشطة "دعائية" بعيدة عن التركيز الحقيقي على مشاكل الاتحاد الأفريقي والقارة، وأنها امتنعت عن استكمال المسيرة التي بدأتها رواندا، بدعم فرنسي وأوروبي، لإصلاح مؤسسات الاتحاد الأفريقي، وربط قواعد البيانات الخاصة بتلك المؤسسات بالاتحاد الأوروبي، لجذب مزيد من المساعدات والاستثمارات لدول القارة الأكثر احتياجاً. وتابعت المصادر "بالنسبة للأوروبيين، فإن رئاسة رواندا للاتحاد كانت مثالية ومرحلة خصبة من التعاون الثنائي الأمر الذي يفتقر إليه الاتحاد حالياً".

وحضر السيسي القمة ممثلاً لمصر باعتبارها رئيسة للاتحاد الأفريقي، حيث وجهت فرنسا الدعوة إلى ترويكا الاتحاد، المشكلة من رواندا الرئيس السابق، ومصر وجنوب أفريقيا الرئيس القادم لحضور القمة، إلى جانب دول السنغال وبوركينا فاسو ممثلين لمجموعة جنوب وغرب الصحراء، وإسبانيا والهند وتشيلي وأستراليا، بالإضافة لحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ورئيس البنك الدولي، ورئيس البنك الأفريقي للتنمية، والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية، والمدير العام لمنظمة العمل الدولية، والأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

تداول مصريون عبر منصات التواصل مقطعاً من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، وصف فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن طريق الخطأ بأنه الرئيس المكسيكي.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن