السلطة وإسرائيل: "التنسيق المقدّس" واختفاء المستوطنين

السلطة وإسرائيل: "التنسيق المقدّس" واختفاء المستوطنين

16 يونيو 2014
نقطة تفتيش لجنود الاحتلال في الخليل (مناحيم كاهانا/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

ترى أوساط أمنية وسياسية فلسطينية، أنّ مساعدة السلطة الفلسطينية لقوات الاحتلال في البحث عن المستوطنين الثلاثة المختفين في الخليل، يُعتبر نقطة تحوّل كبيرة نحو تدهور شعبية القيادة الفلسطينية، وتعميق الخلاف الفلسطيني الداخلي. ويشهد الرأي العام الفلسطيني توحّداً يدعم عمليات اختطاف مستوطنين وجنود إسرائيليين عموماً، وهو ما تبدو إشاراته واضحة اليوم في تصريحات عائلات الأسرى التي تتردد على خيم دعم الأسرى المضربين عن الطعام المنتشرة وسط المدن الفلسطينية، في تعليقاتهم على الاحتمالات التي تفيد بأن المستوطنين قد يكونون مختطفين من قبل أحد فصائل المقاومة الفلسطينية.

وبات اختفاء المستوطنين حديث الساعة لدى الفلسطينيين في الشوارع والجامعات، في حين لوحظ نشاط مكثف في مواقع التواصل الاجتماعي يُترجَم بنشر تعليقات وصور تدعم أي عملية لخطف المستوطنين والجنود، وتسخر من القدرات الأمنية الإسرائيلية.

وعلى الرغم من التعليمات المتلاحقة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال اليومين الماضيين، للأجهزة الأمنية للمساعدة في العثور على المستوطنين، إضافة إلى البيان الذي صدر عن لجنة التواصل مع المجتمع الفلسطيني، التي يرأسها عضو مركزية حركة "فتح"، محمد المدني، الذي تمنى "عودة المستوطنين إلى ذويهم سالمين"، إلا أن ما سبق يعكس وجهة النظر الرسمية التي بات بينها وبين الشارع الفلسطيني فجوة كبيرة.

وقال مصدر فلسطيني رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن "تمادي السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني في ظل التوقيت الحرج الحالي لإضراب الأسرى الإداريين الذي دخل يومه الـ53، يعتبر انتحاراً للسلطة ولحركة فتح على حد سواء".

وجدد المصدر الاعراب عن أسفه لأن "السلطة الفلسطينية ستأخذ دورها في البحث عن المستوطنين في سياق سياسة التنسيق الأمني" مع العدو.

وأشار المصدر إلى أن التنسيق الأمني في المرحلة الحالية، سيقود إلى العديد من السيناريوهات، أولها أنه في حال ساهمت جهود السلطة في الوصول إلى الخاطفين، في حال كانوا فعلاً مختطَفين، والنجاح في إحباط عملية نقل المستوطنين إلى مكان بعيد عن قبضة الاحتلال مع الحفاظ عليهم أحياء، "عندها ستدفع السلطة الفلسطينية ثمناً باهظاً لدى الرأي العام الفلسطيني، وسيعكس ذلك مدى التدهور الوطني والأخلاقي والديني الذي وصلت إليه"، على حد تعبير المصدر.

أما السيناريو الثاني الذي يطرحه المصدر الفلسطيني نفسه، فيتمحور حول أن "الالتفاف الإيجابي والمساعدة الأمنية التي تقدمها السلطة، ستستغلها حكومة الاحتلال للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمعاقبه حركتي حماس والجهاد الإسلامي وعزلهما".

ويضيف المصدر أن "المشهد الفلسطيني سيكون عندها عبارة عن طرفين يواجهان بعضهما البعض؛ طرف تمثّله السلطة الرسمية بكل خياراتها المحدودة حالياً، يواجهها تيار يمثّله مَن لا يعولون على كل خيارات عباس ورؤيته السياسية التي تقتصر على المفاوضات فقط".

أما السيناريو الثالث، والذي ينطلق أيضاً من فرضية أن المستوطنين مختطفين فعلاً، فهو، بحسب محدّثنا، يتمثّل بـ"نجاح الخاطفين في الحفاظ على المستوطنين أحياء، ونقلهم إلى مكان آمن خارج قبضة الاحتلال وسيطرة السلطة الفلسطينية، ما سيشكل مرحلة جديدة في العلاقة الفلسطينية ـ الفلسطينية، والفلسطينية ـ الإسرائيلية".

ويلفت المصدر إلى أنه "في حال نجح الخاطفون المفترضون، سيكونون هم عنوان الحوار والتفاوض المباشر مع حكومة الاحتلال وليست السلطة".
وفي إطار التعاون والتنسيق الأمني بين الأمن الفلسطيني وقوات الاحتلال، أكدت مصادر محلية في الخليل، لـ"العربي الجديد"، أن "الأجهزة الأمنية الفلسطينية قامت بمصادرة المواد المصورة على كاميرات العديد من المحال التجارية والبيوت، ولا سيما في المناطق الحيوية".

وأشارت المصادر إلى أن "الأجهزة الفلسطينية وصلت قبل قوات الاحتلال إلى بعض الأماكن، وقامت بمصادرة المواد المسجلة على الكاميرات، قبل أن يقوم جنود الاحتلال بحملة مصادرة أوسع للمواد المصورة، وخصوصاً على طول الطريق الواصلة بين الخليل وبلدة دورا غرباً، على امتداد ستة كيلومترات".

وقد وجدت الأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال في منطقة سنجر، شرق دورا، هيكلاً محروقاً لسيارة تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية، يُشتبه أن تكون مرتبطة باختفاء المستوطنين، إذ قامت قوات الاحتلال بمصادرتها ونقلها لغايات التحقيق.

وكشف مصدر أمني فلسطيني، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "التنسيق الأمني في المحافظة الأكبر في الضفة الغربية، أي الخليل، "لا يجري على قلب رجل واحد"؛ ففي حين أظهرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعاوناً كبيراً ينسجم مع القرار الرسمي الموجه إليها، كانت هناك آراء أخرى، لكنها ظلت فردية، لبعض رجال الأمن، فضّلت إتلاف المواد المصورة قبل أن تصل لها أيدي الاحتلال.

وخلافاً لأوامر وتعليمات عباس للأجهزة الأمنية بالمساعدة في معرفة مكان المستوطنين المخطوفين، دعا عدد من الناشطين الميدانيين من حركة "فتح" في مدينة الخليل المواطنين إلى تحطيم ومصادرة كاميرات المراقبة الموجودة أمام المحال التجارية في المدينة.

وكانت الدعوات من الكوادر الميدانية الفتحاوية واضحة ومفادها أن "إتلاف كاميرات المراقبة في الخليل الآن واجب وطني، وضرورة نضالية".