السعودية و"القاعدة": تحوّلات استراتيجية وصراع أجنحة

السعودية و"القاعدة": تحوّلات استراتيجية وصراع أجنحة

04 فبراير 2014
+ الخط -
أثارت القرارات السعودية المتعلقة بـ"مكافحة الإرهاب" وتجريم ظاهرة "المجاهدين السعوديين" في الخارج، التكهنات عن حسمٍ ما في طبيعة العلاقة الملتبسة مع "تنظيم القاعدة"، ولا سيما أن الرياض متهمة، منذ عقد تقريباً، بتمويل الجماعات المنضوية تحت لوائه في أكثر من بلد عربي. كما تكشف هذه القرارات، في رأي البعض، عن خفايا صراع تيّارات داخل أسرة آل سعود الحاكمة، مع ابتعاد الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز عن كل الملفات تقريباً لتقدّمه في السن، وغلبة لصالح تيار نجل ولي العهد محمد بن سلمان، ووزير الداخلية محمد بن نايف، المعارضين لتوجهات رئيس الأمن القومي، مدير الاستخبارات بندر بن سلطان، في توظيف ورقة المسلحين في الصراع الدائر في سوريا.

وأصدرت السعودية، يوم الجمعة الماضي، وأمس الاثنين، مرسومَين، الأول نظام بمستوى القانون لمكافحة الإرهاب، والثاني يقضي بمعاقبة كل مَن يشارك في أعمال قتالية خارج المملكة أو الانتماء إلى التيارات أو الجماعات الدينية والفكرية المتطرفة بالسجن مدة لا تزيد على عشرين عاماً.

وجوبه قانون "مكافحة الإرهاب"، المكوّن من 41 مادة، بمعارضة خجولة من قبل منظمتي "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية "أمنيستي"، كما اعتبره نشطاء سعوديون أنه من ضمن إجراءات "تقييد الحريات في المملكة عموماً، لضمان سيطرة آل سعود على الحكم المطلق"، في حين لم يلقَ القانون أي تعليق من الحكومات الغربية.

كما فسّر مراقبون القرار بمعاقبة السعوديين المنخرطين في أعمال مسلحة خارج المملكة، بأنه "تحوّل مهم في سياق الدور السعودي في محاربة الإرهاب"، ومحاولة أكثر شفافية "للتطابق مع توجهات الادارة الأميركية الحالية التي تعتبر أن مكافحة الإرهاب في سوريا أولوية لديها".

واتُّهمت السعودية منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بدعم تنظيم القاعدة، وذلك على الرغم من تنسيقها الجهود مع الولايات المتحدة في إطار ما يسمى "محاربة الإرهاب" طيلة السنوات الماضية، ومن بينها إنشاء قاعدة جوية أميركية للطائرات من دون طيار داخل المملكة في العام 2009 لضرب أهداف تابعة للقاعدة في اليمن. إلا أن الشكوك ظلّت تحوم لدى البعض حول "دور خفيّ" تقوم به الرياض لدعم "القاعدة" خارج المملكة للضغط على خصومها السياسيين في الشرق الأوسط، خاصة في العراق حينها.

ومع اندلاع الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، كان موقف الرياض منها مختلفاً عن باقي الثورات، ونظرت إليها الدبلوماسية السعودية كفرصة سانحة لإسقاط النظام السوري واحتواء النفوذ الإيراني في العراق ولبنان. بناءً عليه، أدار بندر بن سلطان الملف السوري، عبر شقيقه سلمان.

وحتى وقوع مجزرة الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في 21 آب/ أغسطس الماضي، وما تلاها من تراجع أميركي عن "الخطوط الحمر" الشهيرة، والاكتفاء بنزع الترسانة السورية من الأسلحة المحظورة بدلاً من توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، كانت السعودية قد رمت بثقلها خلف الولايات المتحدة على أمل إسقاط الرئيس بشار الأسد. لكن على أثر التحوّل في سياسة واشنطن، والتي سارعت إلى التفاوض مع الرئيس الإيراني "الاصلاحي" حسن روحاني، بدا الارتباك واضحاً على السياسة السعودية، التي وصفت بسياسة "الحَرَد" عندما رفضت شغل منصب العضو غير الدائم في مجلس الأمن، ومن ثم محاولات بندر بن سلطان مقايضة الموقف الروسي تجاه دمشق، تارة بتمويل صفقات سلاح لمصر، وتارة أخرى بمقايضة معلومات أمنية عن الثوار الشيشان.

واتّضح لمنافسي بندر بن سلطان داخل أسرة آل سعود، أن سياساته خلّفت فجوة مع إدارة الرئيس باراك أوباما، وأن التقارب مع إسرائيل لن يثني واشنطن عن تغيير سياستها. وبعدما توجه بندر للعلاج في الولايات المتحدة، حيث تثار شائعات بإصابته بالسرطان، اتخذت السعودية قرارات مغايرة لسياستها السابقة، وكان أبرزها دعم قوى المعارضة السورية وتسليحها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

ويُنظر إلى القرارات السعودية حيال الإرهاب في الآونة الأخيرة، على أنها إزاحة هادئة لبندر بن سلطان، وتقدم واضح لتيارين متنافسين: الأول بقيادة محمد بن سلمان، نجل ولي العهد السعودي الحالي، وتيار وزير الداخلية محمد بن نايف الذي يسيطر على التيار السلفي الدعوي في المملكة. وقد مهّدت الرياض لقراراتها داخلياً بشكل لافت، من خلال السماح بنشر تقارير إخبارية عن وجود أربعة آلاف مسلح سعودي في سوريا، واتهام تنظيم "داعش" بدور خياني ضد الثورة هناك، ورفع الغطاء عن التنظيمات الجهادية في العراق واليمن، واثارة قضية الجهاديين والدور السلبي للدُعاة من أمثال محمد العريفي وسلمان العودة وعدنان العرعور في الزجّ بالشباب السعودي للقتال في سوريا والعراق ولبنان، وذلك عبر برنامج الإعلامي داوود الشريان على قناة "العربية"، والذي لقيَ استجابةً من قطاعات واسعة من الشعب السعودي.

دلالات