الروس يتعلمون اللغة العربية

الروس يتعلمون اللغة العربية

03 اغسطس 2017
تختلف الدوافع (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
يلاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد الإقبال على تعلم اللغة العربية بين الشباب الروس. تختلف الدوافع ما بين التطلع لاكتشاف الثقافة العربية والإسلامية، والالتحاق بالعمل في السلك الدبلوماسي أو القطاع الخاص، أو في مجال التدريس والبحث العلمي.

لا تخفي الأستاذة المساعدة في كلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو إيرينا تساريغورودتسيفا أنّ اختيارها تعلم اللغة العربية في المرحلة الجامعية كان صدفة إلى حد كبير، إذ علمت بافتتاح قسم اللغة العربية بالجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية بُعيد عودتها من رحلة إلى دبي، حيث كان يعمل والدها في ذلك الوقت. وفي إطار تخصصها، تجولت تساريغورودتسيفا كثيراً في مختلف أنحاء العالم العربي بين مصر ولبنان وسلطنة عمان وسورية قبل اندلاع الحرب، وعملت صحافية قبل أن تستقر في مجال التدريس الجامعي والبحث الأكاديمي.

تقول تساريغورودتسيفا لـ"العربي الجديد": "منذ عام 2009، بدأت العمل في مجال التدريس، وفي إطار بحوثي تخصصت في البداية في الفلسفة السياسية للعالم العربي، لكنني اهتممت مؤخراً بدراسة البعثات الدبلوماسية للإمبراطورية الروسية المتأخرة في العالم العربي مطلع القرن العشرين".

وحول دوافع الشباب لاختيار اللغة العربية تضيف تساريغورودتسيفا التي تخرّج على يديها مئات الطلاب: "يختار نحو نصف الدارسين اللغة العربية بسبب انتماء أسلافهم إلى الثقافة العربية - الإسلامية. أما النصف الثاني، فتتراوح دوافعهم بين الانطباعات الرومانسية عن بلدان الشرق أو الرغبة في الالتحاق بالعمل في السلك الدبلوماسي وغيره من المجالات". تعتبر أنّ الأزمة السورية حتى كان لها دور في زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في السنوات الأخيرة في ظل رغبة كثيرين في فهم ما يجري في سورية.

لمّا كان عدد المسلمين في روسيا يقدر بنحو 20 مليوناً يتركز أغلبهم في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا والعاصمة موسكو، يطمح الكثير من هؤلاء من خلال تعلم اللغة العربية إلى التمكن من قراءة القرآن الكريم من دون اللجوء إلى تفسير معانيه باللغة الروسية. كريم، شاب شيشاني الأصل يقيم في موسكو منذ صغره، وهو أحد هؤلاء. يقول لـ"العربي الجديد": "كان دافعي الرئيس لتعلم اللغة العربية هو الرغبة في قراءة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأعمال العلماء المسلمين". يضيف: "أرغب أيضاً في ربط عملي وحياتي المستقبلية بالعالم العربي الإسلامي، فكوني مسلماً أفهم عقلية العرب، وهذا سيسهّل عليّ التواصل معهم".

بدت اللغة العربية بتركيباتها النحوية صعبة خلال السنة الأولى من الدراسة، لكن بعد ثلاث سنوات من الجهد، أصبح كريم يفهم أساسيات النحو والصرف العربي جيداً، ويركز حالياً على تعلم المزيد من الكلمات. يعلّق: "كلما تعلمت اللغة أكثر ازدادت تشويقاً، وبتّ أحلم بإتقان اللغة العربية مثلما أتقن الروسية في يوم من الأيام".



تتميز أقسام اللغات الغربية في الجامعات الروسية بأعداد كبيرة من الطالبات وسط غياب الطلاب الذكور. لكنّ الأمر يختلف كثيراً عندما يتعلق بأقسام اللغات الشرقية والعربية للاعتقاد أنّ العمل مع العالم العربي لا يناسب النساء، نظراً إلى الأوضاع الأمنية المضطربة والتقاليد المحافظة في البلدان العربية. لكنّ ذلك لا يمنع كثيراً من الفتيات الروسيات من تعلم لغة الضاد رغبة منهن في العمل في مجالات الترجمة والتدريس والتجول بين أقطار العالم العربي. منذ مرحلة المدرسة، طمحت فاليريا (20 عاماً) إلى العمل في مجال الترجمة التحريرية والشفهية، وبدا لها أنّ تعلم لغة شرقية أكثر تشويقاً من اللغات الأوروبية مثل الفرنسية أو الإسبانية. بعد التحاقها بكلية الاستشراق قبل ثلاث سنوات، وجدت فاليريا نفسها أمام أربعة خيارات، فاختارت اللغة العربية التي جذبتها بثقافتها أكثر من غيرها.

حول انطباعاتها الأولى بخصوص تعلّم العربية، تقول فاليريا لـ"العربي الجديد": "البداية كان تعلم الحروف مهمة مستحيلة، قبل أن يتضح أنّ هذه المرحلة كانت الأسهل!". تضيف: "تعلم اللغة ممتع وأنا أسعد كثيراً عندما أقرأ نصاً أدبياً وأجد فيه كلمات أعرفها تمكنني من فهم المضمون العام. لكنّ الصعوبة التي أواجهها الآن، هي الحاجز اللغوي، إذ لا أتمكن من التحدث بشكل عفوي من دون تحضير مسبق". بعد تخرجها من كليتها، تأمل فاليريا في توظيف اللغة العربية للعمل في مجالي التدريس والترجمة التحريرية أولاً، ثم الشفهية في مرحلة لاحقة بعد اكتساب الخبرة اللازمة وتطوير مهاراتها.

روسيا معروفة تاريخياً في كونها مدرسة استشراق عريقة تمتد جذورها إلى الحقبة القيصرية وقد تطورت في الفترة السوفييتية وسط تمدد الاتحاد السوفييتي في مختلف بلدان الشرق الأوسط. وهناك حالياً أقسام للغة العربية في عدد من الجامعات الروسية الرائدة، بما فيها معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ومعهد بلدان آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو، والمدرسة العليا للاقتصاد، والجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، والجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية وغيرها من المعاهد والجامعات في موسكو والمدن الروسية الكبرى.