(الديكتاتورية وكأس العالم7)... الغزو السوفييتي يحرم جيل بوشكاش المونديال

(الديكتاتورية وكأس العالم7)... الغزو السوفييتي يحرم جيل بوشكاش المونديال

09 يونيو 2014
صورة أرشيفية لنجوم المنتخب المجري 1954 (Getty)
+ الخط -

يتّفق مؤرخو كرة القدم على وجود ثلاثة منتخبات كانت تستحق التتويج بكأس العالم لروعة أدائهم، لكن جميعهم لم ينل هذا الشرف رغم قرب المسافة من ملامسة الكأس، والمعني بهذا الكلام منتخبات هولندا 1974، والبرازيل 1982، ومن قبلهم المجر 1954.

 

في خمسينيات القرن الماضي، كان المنتخب المجري محط أنظار العالم، فقد قدم أساليب لعب مبتكرة ومبهرة ضمن منظومة عمل جماعي يخدم بها أفضل لاعبي الكوكب آنذاك، وعلى رأسهم بوشكاش وهيديكوتي وكوتشيس وزيبور.

 

تميز المنتخب المجري بالشراسة الهجومية، واستحق التتويج بالميدالية الذهبية في أولمبياد 1952 في "هيلسينكي"، وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بمونديال 1954 في سويسرا، لولا المعجزة التي حققتها ألمانيا الاتحادية في المباراة النهائية.

 

وعانت المجر كثيراً من ويلات الحرب العالمية الثانية، وكانت كرة القدم ملاذ الكثير من أبنائها هرباً من حياة الفقر، ويرجع الفضل في تشكيل منتخبها العظيم إلى المدرب جوستاف سيبيس، الذي أدخل الفكر الاشتراكي إلى اللعبة، وأقحم أفكاره السياسية داخل المنتخب، فارتكزت سياسته على ضرورة أن يعمل الفرد بجدية من أجل المصلحة العامة.

 

ولخص الأسطورة بوشكاش المنهج الاشتراكي للجيل الذهبي لمنتخب المجر بقوله "عندما نهاجم، نهاجم جميعاً، وعندما ندافع، ندافع جميعاً"، وكان ذلك نواة لفكرة "الكرة الشاملة" التي استلهمتها هولندا في السبعينيات، ولا يزال هذا النهج يتبع حتى الآن.

 

وابتدع المدرب سيبيس طريقة (4-2-4)، وعرف العالم لأول مرة مركز المهاجم المتأخر، الذي يتراجع عن الخط الأمامي لسحب مدافع معه وخلق ثغرات لدى الخصم، ولقن هذا المنتخب درساً للبلد التي اخترعت كرة القدم الحديثة عام 1953 عقب حصوله على الذهبية الأوليمبية، ففي مباراة أطلق عليها "مباراة القرن" نجح المجريون بالفوز على إنجلترا بنتيجة كاسحة (6 – 3)، على ملعب "ويمبلي" العريق في لندن وسط حضور حوالي 110 ألف مشجع، وحين أراد الإنجليز الانتقام، خسروا في بودابست (7 – 1).

 

وشاء القدر أن يحرم هذا الجيل الأسطوري من اللقب الأغلى في عالم المستديرة الساحرة بسبب "معجزة بيرن"، وهو اللقب الذي أطلق على نهائي مونديال 54 نسبة إلى المدينة التي استضافت المواجهة، فبينما كان متقدماً بهدفين لبوشكاش وزيبور، نجح الألمان في قلب الطاولة وتسجيل ثلاثية عبر مورلوك وهيلموت رون (هدفين) لينتزعوا اللقب على عكس كل التوقعات.

 

كانت الصدمة كبيرة وانهمرت الدموع كثيراً، لأن المجر هزمت ألمانيا في نفس البطولة بدور المجموعات بنتيجة قياسية (8 – 3)، وإن كان الألمان لعبوا بتشكيلة من البدلاء، وقبلها أمطرت شباك كوريا الجنوبية بتسعة أهداف، ثم فازت على البرازيل حاملة اللقب (4 – 2) في ربع النهائي، وبنفس النتيجة هزمت الأوروجواي بطلة العالم مرتين في نصف النهائي، ليسجلوا 27 هدفاً في خمس مباريات فقط.

 

في المقابل، لم يكن منتخب المجر قد خسر قبل نهائي بيرن لمدة 30 مباراة متتالية على مدار أربعة أعوام، وهو ما يشير إلى مدى ضخامة الإنجاز الألماني، وتم تبرير الهزيمة بأن "المانشافت" استخدم لأول مرة في تاريخ الكرة أحذية رياضية بسنون مدببة من إنتاج أديداس، وهي التي ساعدت اللاعبين على التأقلم على العشب المبتل لملعب "فانكدورف" في بيرن بسبب الجو الممطر أثناء المباراة النهائية.

 

وندب المجريون حظهم بعد الإخفاق، لكنهم أيضاً اتهموا الحكم الإنجليزي ويليام لينج بعدم احتساب هدف شرعي لبوشكاش، الذي أكمل اللقاء مصاباً، بداعي التسلل، كاد يدرك به التعادل في اللحظات الأخيرة.

 

لذلك قرر المجريون نسيان هذه النكسة، وتعاهدوا على الفوز بالمونديال المقبل عام 1958 في السويد، لكن الظروف السياسية كانت أقوى منهم ومنعتهم من تحقيق الحلم، ففي نوفمبر 1956 اندلعت ثورة احتجاجية في بودابست ضد الخضوع الذليل للاتحاد السوفييتي، لكن الثورة أجبرت الجيش الأحمر على إرسال أكثر من 30 ألف جندي إلى العاصمة المجرية. 

 

في حين اقتحمت الدبابات السوفييتية الأراضي المجرية لإخماد الثورة، في وقت كان فيه لاعبو فريق هونفيد، الذي يضم معظم نجوم المنتخب، في جولة خارجية انتهت في إسبانيا خلال مباراة ودية مع أتلتيك بلباو، وبعد تلقي النبأ الحزين قرر اللاعبون عدم العودة لوطنهم والتفرق بين دول أوروبا وطلب اللجوء السياسي.

 

الأمر الذي دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد السوفييتي لإلغاء شرعية نادي هونفيد، مما أجبر اللاعبين على البحث عن فرص لعب في دول أخرى، كما لجأ بوشكاش وكوتشيس إلى إسبانيا، حيث حقق الأول أمجاداً عظيمة مع ريال مدريد، ولعب الثاني للفريق الغريم برشلونة لثمانية مواسم، بينما انتقل زيبور لروما ثم توجه لبرشلونة، فيما فضل الحارس جروسيكس البقاء في المجر لمدة عامين، ثم التحق بعدها ببرشلونة.

 

وقال حارس المرمى جيولا جروسيكس إن أحد زملائه تم إعدامه شنقاً بتهمة الهروب من المنتخب، بينما تم اتهامه هو شخصياً بالجاسوسية والتخابر مع بلدان أجنبية، وتم زجّه بالسجن لمدة عام كامل قبل إطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة، لكنه نفي لمدينة بعيدة.

 

كما تسبب الغزو السوفييتي بتشتيت نجوم المجر بين دول أوروبا، وكتب النهاية للجيل الذهبي قبل أن يحقق حلم التتويج بمونديال 1958، حيث كانت كل الترشيحات تصب في مصلحته، ومن حينها وعلى مدار كل تلك العقود، تدهور الحال بالكرة المجرية، وبات منتخبها بين قائمة الأضعف في القارة العجوز، حيث لم يعد يشارك في المحافل الكبرى، ليكتفي أهل المجر بالترحم على زمن بوشكاش وزملائه.

المساهمون